سياسة

ازدهار بغداد العمراني.. رخاء يُشغل الفصائل أم يُرسّخ نفوذها؟

نشر
blinx
تشهد بغداد طفرةً عمرانيةً غير مسبوقة ويبدو العراق "مستقرًا بشكل لافت"، ما يجذب المستثمرين الأجانب ويُعيد تشكيل العاصمة.
غير أنّ هذا الازدهار يطرح سؤالًا جوهريًا: هل ينجح في صرف الفصائل المسلحة الموالية لإيران عن العنف عبر إشغالها بالرخاء والأعمال، أم أنّه يُثريها ويُرسّخ قبضتها على الدولة؟
وفق تقرير ذا إيكونوميست، اختار رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، تجنّب المواجهة المباشرة مع تلك الفصائل، قائلاً بحسب أحد حلفائه: "أريدهم أن يستثمروا. أريدهم أن ينشغلوا بالازدهار. أريد أن أصرفهم عن العنف".
كثيرون منهم أسّسوا بالفعل شركات ويتنافسون على عقود حكومية، فيما نأى وكلاء إيران في العراق بأنفسهم عن حربٍ استمرت 12 يومًا مع إسرائيل، وهو ما يراه مؤيدو نهج السوداني دليلاً على نجاح سياسة الإشغال بالرخاء"، بينما يعتبره منتقدون غطاءً لتكديس الثروة وتعزيز النفوذ، حسب تقرير ذا إيكونوميست.

اعرف أكثر

طفرة عمران واستقرار لافت

"تنتصب الرافعات فوق أفق بغداد.. تشهد بغداد طفرة عمرانية، ويبدو العراق مستقرًا بشكل لافت، الأمر الذي يجذب المستثمرين الأجانب ويعيد تشكيل عاصمته"، وفق ذا إيكونوميست.
"وتقول الحكومة إن لديها خططًا كبيرة لتحسين الخدمات والبنية التحتية بعد سنوات من الحرب وعدم الاستقرار"، بحسب ما صرّح به السوداني للمجلة.
ومنذ تولّيه المنصب في أكتوبر 2022 أنشأت حكومته 20 جسرًا في بغداد، أحدها شُيّد في 80 يومًا فقط، كما "افتُتحت ٤ مستشفيات جديدة على الأقل، بينها أول مركز مخصّص لعلاج السرطان في العراق ومستشفى عناية فائقة صُمم على الطراز الكوري"، وتم بناء أو إعادة بناء أكثر من 1700 مدرسة، ومجموعة من الفنادق الفاخرة على وشك الافتتاح.

عودة كبرى الشركات ونَفَسٌ استثماري

تشير ذا إيكونوميست إلى أنّ "شركة bp استأنفت عملياتها، وتجري محادثات مع إكسون موبيل وشيفرون".
وتفسّر المجلة هذا الزخم بعوامل عدّة منها: الأمن المُحسَّن، وإصلاحات القطاع المصرفي التي جعلت الائتمان أكثر سهولة، إضافة إلى أنّ عوائد النفط والإنشاءات، التي كانت تتدفق سابقًا إلى بيروت أو جنيف، تُنفق بشكل متزايد داخل العراق.
كما جعل السوداني من مهمته دفع المشاريع العامة والخاصة عبر بيروقراطية العراق البطيئة، إذ يتصرّف غالبًا كمهندس ورشة أكثر منه سياسيًّا، ويُشرف على "لجان استثمار قوية قادرة على إقرار المشاريع بسرعة"، وفق ذا إيكونوميست.

رقمنة واسعة وتبدّل في دورة المال

تمضي الحكومة في رقمنة الخدمات: تصدر دائرة الجوازات في بغداد وثائق سفر جديدة خلال 45 دقيقة فقط، ويقول المسؤولون إنها الأسرع في العالم.
حتى 2023 لم تتجاوز عائدات الجمارك السنوية 900 مليار دينار عراقي (690 مليون دولار). هذا العام يُتوقع أن تتجاوز 3 تريليونات دينار.
وولّت أيّام التهرب من الرسوم عبر استيراد حاويات من هواتف الآيفون على أنّها موز، بفضل الرقمنة، كما لم تعد الرواتب الحكومية تُدفع نقدًا وأصبحت المدفوعات تُنجز حصرًا عبر البطاقات المصرفية، وفق ذا إيكونوميست.

"الإشغال بالرخاء" أم "إعادة التمكين"؟

تجنّب السوداني مواجهة مباشرة مع الفصائل المدعومة من إيران، وفق المجلة الاقتصادية، وقال، وفقًا لأحد حلفائه: "أريدهم أن يستثمروا..".
وتضيف المجلة أنّ "كثيرين أنشأوا شركات ويسعون للفوز بعقود حكومية"، وأنّ الفصائل المدعومة من إيران لم يشاركوا في حربها مع إسرائيل التي استمرت 12 يومًا، ما يراه مؤيدون دليلًا على نجاح النهج.
في المقابل، يرى منتقدون أنّ نهج السوداني يمنح الفصائل غطاءً لتكديس الثروة وتعزيز قبضتها على الدولة، مستشهدين بحادثة اقتحام مقاتلين من كتائب حزب الله مكتبًا في وزارة الزراعة لحماية مدير متهم بالفساد، وبأنّ الحادث أظهر حجم حرية المجموعات في التصرف عندما تُهدَّد مصالحها.

حدود السلطة والتحديات المتبقية

تلفت ذا إيكونوميست إلى أنّ "قليلين يعتقدون أنّ السوداني قادر على مواجهة تلك المجموعات مباشرة"، وأنّ فشل القوات العراقية في إنقاذ الباحثة إليزابيث تسوركوف بعد اختطافها عام 2023 أظهر حدود سلطة السوداني.
كما أنّ أكثر من 10 ملايين عراقي يتقاضون رواتب حكومية، من أعلى المعدلات عالميًا، وأنّ جهود إصلاح قطاع الطاقة فشلت إلى الآن بسبب مقاومة فصائل مسلحة، بينما الفساد ما زال قائمًا.

أرقام المالية العامة والإصلاح الضريبي

بحسب وسائل إعلام عراقية، أكّد السوداني الإثنين 25 أغسطس 2025 أنّ "الإنفاق العام السنوي يبلغ نحو 150 تريليون دينار عراقي، فيما لا تتجاوز الإيرادات الضريبية 3 تريليونات دينار"، ما يستدعي مراجعة عاجلة.
وأشار إلى أنّ نسبة الدخل غير النفطي ارتفعت من 7% في 2022 إلى 14% في 2024، وأنّ الإيرادات الضريبية زادت 26% في 2024 على أساس سنوي، و3% في النصف الأول من العام الجاري.
كما شدّد على دور التحوّل الرقمي عبر منصة استعلام ضريبي جديدة ونظام إلكتروني للدفع الضريبي للحدّ من التأخير والفساد، كاشفًا عن مسودة قانون جديد لضريبة الدخل يلتزم بالمعايير العالمية مع الحفاظ على العدالة الاجتماعية والإعفاءات لذوي الدخل المحدود، ومصمم ليكون صديقًا للأعمال وداعمًا للاقتصاد الأخضر والمشاريع الناشئة.
وأعلنت الحكومة كذلك توحيد الإجراءات الضريبية بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، وإنجاز ورقة سياسات بشأن تحاسب شركات النفط.
وختم السوداني بالتأكيد: "لن نسمح بحدوث زيادة ضريبية تؤدي إلى مناخ طارد للأعمال أو تكون على حساب العدالة".

انتخابات على الأبواب.. ومصالح متعارضة

ترى ذا إيكونوميست أنّ إمكانات العراق هائلة مع تعداد سكاني نحو 46 مليونًا يزداد بمعدل يقارب مليون نسمة سنويًا.
ومع اقتراب الانتخابات في نوفمبر، "يسعى السوداني للحصول على ولاية ثانية لإنهاء ما بدأه"، لكنّ "كثيرًا من أطراف الإطار التنسيقي الشيعي يرون فيه تهديدًا لمصالحهم"، وإذا توحّدوا ضده قد يكون تقدمه عابرًا.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة