سوريا.. وعود ديمقراطية تصطدم بـ"إشارات مقلقة"
اتخذ القادة الجدد في سوريا خطوات تهدف إلى إبعاد البلاد عن الحكم المطلق مع خطط لإصلاح أنظمة السجون والأمن التي شكّلت الركيزة الأساسية لنظام الأسد، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة
نيويورك تايمز. غير أنّ تعامل القيادة الجديدة في سوريا مع موجات العنف الطائفي وتركيز السلطة بيد قلة من المقربين من الرئيس أحمد الشرع أثار مخاوف من أنّ الحكم الجديد لم يقطع تماماً مع نمط السلطوية.
وعود بإصلاح أمني وسجون جديدة
في مايو الماضي، أعلنت وزارة الداخلية أنّها ستعيد هيكلة الأجهزة الأمنية والسجون "بهدف احترام حقوق الإنسان وصون كرامة المعتقلين"، مشيرةً إلى إمكانية بناء سجون جديدة أو ترميم السجون القائمة. وقال المتحدث باسم الوزارة نور الدين البابا إن "زمن طغيان أجهزة الأمن قد انتهى"، في إشارة إلى نهاية مرحلة الاستبداد الأمني.
استمرارية في تركّز السلطة
لكن ممارسات القيادة الجديدة أثارت الشكوك. فالرئيس أحمد الشرع، أبقى السلطة مركزة في يديه وفي يد دائرة ضيقة من المقرّبين، بينهم أشقاؤه، وفقاً للصحيفة الأميركية.
وترى منى يعقوبيان، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أنّ "بنية الحكم ما زالت رئاسية قوية جداً على غرار نظام الأسد"، مضيفةً أنّ هناك "مقاومة لفكرة توزيع السلطة"، وهو أمر ضروري في بلد متعدد الطوائف والإثنيات.
من جانبها، أشارت لارا نيلسون، مديرة السياسات في منظمة "إيتانا سوريا"، إلى أنّ هناك "مؤشرات مقلقة على الاستمرارية"، في إشارة إلى التشابه بين الأسلوب الحالي ونهج النظام السابق.
كانت الانتخابات البرلمانية المقرّرة في وقت لاحق من الشهر الجاري قد رُحِّب بها في البداية كخطوة نحو نظام أكثر ديمقراطية. لكن سرعان ما أثارت جدلاً، إذ سيُعيّن الرئيس ثلث مقاعد البرلمان البالغ عددها 210، فيما ستُختار المقاعد الأخرى عبر هيئات محلية خاضعة للحكومة، مع تخصيص 20% للنساء. كما أرجأت اللجنة الانتخابية التصويت في ٣ محافظات خارجة عن سيطرة الحكومة وعيّنت ممثلين عنها، في خطوة أثارت انتقادات الأكراد الذين وصفوا العملية بأنها "إعادة إنتاج لسياسات الإقصاء التي حكمت سوريا لعقود".
فاقمت التوترات الطائفية المخاوف، إذ شهدت البلاد ثلاث موجات من العنف خلال الأشهر الستة الماضية، كان آخرها في محافظة السويداء حيث قُتل المئات في يوليو الماضي بعد اندلاع اشتباكات بين قبائل بدوية والأقلية الدرزية. وقد اتهمت منظمات حقوقية قوات مرتبطة بالحكومة بالتورط في "عمليات قتل خارج القانون بدوافع انتقامية وطائفية". وردّت الحكومة بإدانة هذه الأعمال وفتح تحقيقات، لكنها اعتبرتها أفعالاً "خارج القانون".
تحذيرات أممية من مرحلة هشة
حذّر المبعوث الأممي غير بيدرسون أمام مجلس الأمن من أنّ "البلاد ما زالت هشة للغاية، وأنّ الانتقال يمرّ بمرحلة شديدة الهشاشة". وأضاف أنّ السوريين بحاجة إلى أن يشعروا بأنّ المرحلة تتسم بمسار "واضح وشامل قائم على الشفافية"، وليست مجرد ترتيبات مؤقتة، محذراً من أنّ غياب الإصلاحات يهدد بفقدان الدعم الدولي.
رغم تعيين بعض الوزراء من الأقليات والشتات السوري، إلا أنّ الوزارات السيادية مثل الدفاع والداخلية والخارجية تم إسنادها إلى مقربين من الشرع. وفي هذا الصدد، قالت لارا نيلسون "إنّ ما رأيناه لا يتجاوز إشراك وزراء رمزيين بلا أي صلاحيات"، مشيرةً إلى أنّ الهيئة ما زالت تحتفظ بمفاتيح السلطة.
تشير نيويورك تايمز إلى أنّ الاختبار الحقيقي أمام القيادة الجديدة في سوريا سيكون في التنفيذ الفعلي للإصلاحات وضبط الأجهزة الأمنية، وسط تساؤلات جدية عمّا إذا كانت البلاد تسير نحو ديمقراطية حقيقية، أم أنّها ستظل عالقة في دوامة الاستبداد والعنف الطائفي.