المثلث الذهبي يتحول إلى عاصمة الاتجار بالبشر والاحتيال
في قلب المثلث الذهبي الذي يربط ميانمار ولاوس وكمبوديا، تنمو صناعة إجرامية معقدة تعتمد على استغلال البشر وتشغيلهم قسراً داخل معسكرات محصنة ومسيطر عليها من عصابات عابرة للحدود.
تجذب هذه العصابات ضحاياها عبر إعلانات مغرية ومقاطع فيديو تُظهر حياة الرفاهية والثراء السريع، حيث يوهمون الشباب بفرص عمل مجزية أو استثمارات واعدة. لكن سرعان ما يتحول الحلم إلى كابوس، إذ يجد هؤلاء أنفسهم أسرى خلف الأسوار، محرومين من حريتهم، ومجبرين على تشغيل شبكات احتيال إلكتروني معقدة تدر ملايين الدولارات على تلك العصابات، حسب ما جاء في تقرير نشرته صحيفة
الغارديان.
تتوزع هذه المراكز، مثل KK Park وShwe Kokko وTai Chang، على طول الحدود التايلاندية-الميانمارية، تشبه مدنا صغيرة محصنة تضم أبراج مراقبة وأسواراً عالية، ويقطنها مسلحون يحرسون الضحايا ليل نهار.
في بعض المجمعات، تُبنى فيلات فخمة لإدارة العمليات، وتُستخدم كديكور لإقناع الضحايا المحتملين عبر مكالمات الفيديو بأنهم يتحدثون إلى مستثمرين أثرياء يعيشون حياة مرفهة.
أما في الداخل، فيُحتجز العاملون قسراً في غرف ضيقة، وتُسحب جوازات سفرهم، ويُجبرون على إرسال مئات الرسائل يومياً لضحايا من مختلف أنحاء العالم. ويقابل أي تقصير في الأداء التعذيب الوحشي، من الصعق الكهربائي إلى العقوبات الجسدية القاسية تحت أشعة الشمس الحارقة.
الضحايا من آسيا والعالم العربي
تؤكد شبكة المجتمع المدني لمساعدة ضحايا الاتجار بالبشر أنّ هناك ما لا يقل عن 90 ضحية محتجزين حالياً داخل هذه المعسكرات، ينتمون إلى أكثر من 11 جنسية في آسيا وإفريقيا. بعضهم فقد أطرافه أو بصره نتيجة التعذيب.
من بين هؤلاء ماتيو، شاب فلبيني قضى ستة أشهر في KK Park بعدما أُغري بعرض عمل في خدمة العملاء ببانكوك. فور وصوله نُقل عبر الحدود قسراً وصودر جواز سفره، ليجد نفسه مجبراً على تشغيل حسابات وهمية تستهدف المسنين في الولايات المتحدة، بلغت قيمة الأموال التي سرقت منهم 3.4 مليون دولار أميركي، بحسب ما كشفه
تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالي.
أما الضحايا العرب، فقد أظهرت
تقارير أنّ مغاربة وتونسيين وجزائريين أصبحوا أهدافاً سهلة لهذه العصابات. يتم استدراجهم إلى تايلاند أو فيتنام تحت غطاء عقود عمل ثم نقلهم قسرا إلى معسكرات في ميانمار ولاوس وكمبوديا.
أوضحت شهادات بعض الناجين أن هذه العصابات، وغالبها ميليشيات صينية، تدير نوادي قمار وهمية تُستخدم غطاءً للاحتجاز والتشغيل القسري.
منذ انقلاب الجيش في ميانمار عام 2021، تضاعف عدد مراكز الاحتيال على الحدود من 11 إلى 27، بمعدل توسع يقارب 5.5 هكتارات شهرياً، بحسب بيانات المعهد الأسترالي للسياسات الاستراتيجية.
لم يكن هذا النمو السريع ممكناً لولا حماية الميليشيات المسلحة وتواطؤ المجلس العسكري الذي يرى في هذه الأنشطة مصدراً أساسياً للعملة الصعبة في اقتصاد الحرب.
أظهرت الصور الجوية التي نشرتها الغارديان أن هذه المراكز مزودة بوسائل حماية معقدة، تشمل أبراج مراقبة ونقاط تفتيش، إضافة إلى أنظمة إنترنت عبر الأقمار الصناعية مثل Starlink.
ورغم محاولات تايلاند قطع الإمدادات من كهرباء وإنترنت وغاز، واصلت هذه المراكز نشاطها، معتمدة على تهريب المعدات والاتصالات عبر الحدود.
رغم تحرير نحو 7 آلاف شخص مطلع عام 2025 عبر عمليات مشتركة شاركت فيها تايلاند والصين وبعض القوى المحلية، فإن هذه الأعداد تظل ضئيلة أمام حجم الكارثة.
تشير تقديرات الشرطة التايلاندية إلى أن ما يصل إلى 100 ألف شخص ما زالوا محتجزين في معسكرات الاحتيال على الحدود. بعضهم يعيش أوضاعاً إنسانية مروعة، بلا قدرة على الهروب، محاطين بحراس مدججين بالسلاح، ومهددين بالتعذيب أو حتى الموت إن فكروا في العصيان.
تحولت ميانمار ولاوس وكمبوديا في السنوات الأخيرة إلى ملاذ آمن لشبكات إجرامية عابرة للحدود، تستغل هشاشة الفقراء والمهاجرين والباحثين عن فرص عمل.