هل يختبر بوتين حلف الناتو بالطائرات المسيّرة؟
تتصاعد المخاوف في أوروبا من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى عمداً إلى اختبار مدى صلابة حلف شمال الأطلسي، بعدما أعلنت بولندا أنّ أجواءها تعرّضت لاختراق غير مسبوق عبر طائرات مسيّرة روسية، في حادثة وُصفت بأنّها الأخطر منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا قبل أكثر من ثلاث سنوات ونصف، بحسب تقرير نشرته مجلة
نيوزويك.
وأكدت وارسو أنّ ما جرى هو "عمل عدواني" يستهدف أمنها القومي، مشيرة إلى أنّ الرد لم يعد خياراً بل ضرورة، في وقت يرى محللون أنّ الكرملين يريد معرفة إلى أي مدى سيغامر الناتو في الرد على هذه الاستفزازات.
الانتهاك الجوي ورد الفعل البولندي
أوضح الجيش البولندي أنّ 19 طائرة مسيّرة روسية اخترقت أجواء البلاد خلال ليلة واحدة، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الحرب، بحسب وصف رئيس الوزراء دونالد توسك، الذي أكد أن "الأجواء البولندية تعرضت لاختراق واسع" مشيراً إلى أنّ "الطائرات التي شكّلت تهديداً مباشراً جرى إسقاطها"، في حين عبرت طائرات أخرى من بيلاروسيا.
بالتزامن، نفذت روسيا هجمات عنيفة على مدن غرب أوكرانيا بينها لفيف، حيث أعلن عمدة المدينة أندري سادوفي عن سماع انفجارات قوية.
ردا على الإختراق، سارعت بولندا إلى نشر مقاتلاتها بمساندة طائرات هولندية وإيطالية، ورفعت أنظمة الدفاع الجوي إلى أعلى درجات التأهب. نتيجة ذلك، أغلق مطار شوبان في وارسو مؤقتاً وأُلغيت الرحلات الجوية، فيما نصحت السلطات المواطنين بالبقاء في منازلهم.
أكدت القيادة العسكرية أنّ "الإجراءات الدفاعية فُعّلت فوراً" وأنّ بعض الطائرات أُسقطت بالفعل، مع استمرار عمليات البحث عن حطامها.
التداعيات على الناتو وأوروبا
يمثل الإختراق أول مواجهة مباشرة بين الناتو وأهداف روسية داخل أجواء الحلف، وهو ما اعتبره مراقبون نقطة تحول خطيرة.
في هذا الشأن، دانت بروكسل الحادثة، إذ وصفت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، الانتهاك بأنه "متهور وغير مسبوق"، مؤكدة تضامن أوروبا الكامل مع بولندا وكاشفة أنّ الاتحاد الأوروبي يعمل على إعداد حزمة عقوبات جديدة ضد موسكو، بحسب
تلغراف.
تعليقا على الحادث، قال السيناتور الديمقراطي ديك دوربين إنّ "بوتين يختبر عزيمتنا في الدفاع عن بولندا ودول البلطيق" محذراً من تجاهل هذه التهديدات.
كما أشار وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي إلى أنّ أوروبا تحتاج إلى زيادة إنفاقها الدفاعي، مذكراً بما قاله ترامب سابقاً بأنّ القارة "نزعت سلاحها طويلاً".
الخطوة المقبلة وتفعيل المادة الرابعة
أعلنت بولندا أنها ستلجأ إلى المادة الرابعة من معاهدة الناتو، التي تتيح لأي دولة عضو طلب التشاور مع بقية الأعضاء عندما تشعر بأن أمنها أو سلامتها مهددان.
لا يعني تفعيل هذه المادة الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة كما هو الحال مع المادة الخامسة، وفقا لسكاي نيوز، لكنه يعكس حجم القلق ويضع القضية على طاولة مجلس الحلف الأطلسي.
أكد توسك أنه على اتصال دائم بالأمين العام مارك روتّه لمناقشة الخطوات المقبلة، قائلا إنّ "الموقف أخطر مما كان عليه منذ الحرب العالمية الثانية، لكنه لا يعني أن بولندا في حالة حرب".
من جهتها، أعلنت بيلاروسيا، الحليف الأقرب لموسكو، أنّها أسقطت طائرات مسيّرة دخلت أجواءها نتيجة "تشويش إلكتروني" لكنها لم تحدد إن كانت روسية أو أوكرانية، مكتفية بالقول إنها أبلغت وارسو بتحرك بعضها نحو أراضيها.
رغم أنّ الحادثة لم تسفر عن ضحايا، على عكس حادثة برزيفودوف عام 2022 حين قُتل شخصان بصاروخ روسي سقط داخل بولندا، فإنّها تحمل دلالات أشد خطورة، وفقا لما نشره جيمس روثويل، مراسل ال
تلغراف في برلين، في مقال تحليلي للإختراق.
واستحال روثويل دخول ثماني طائرات مسيّرة في وقت واحد إلى الأجواء البولندية أن يكون حادثاً عرضياً، موضحا أن روسيا لم تعد تكتفي باستهداف أوكرانيا، بل تسعى لإرباك الحلف ذاته.
كما يرى محللون أنّ ما جرى يعكس رغبة الكرملين في اختبار مدى تماسك الناتو واستعداده للرد، وفق ما ورد على موقع شبكة
بي بي سي.