"المعقل الأخير" يتكرر.. نتنياهو يطارد سراب الانتصار؟
منذ اندلاع الحرب على غزة، يحرص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تقديم رواية متكررة، غالبا قبل شن أي هجمة كبرى، تفيد أن إسرائيل على وشك تحقيق النصر النهائي وأنها تقف أمام "المعقل الأخير" لحركة حماس.
في بداية عام 2024، مثلا، وقبيل الهجوم الإسرائيلي على رفح الذي هز الأوساط الدولية، وصف نتنياهو المدينة بأنها آخر معاقل الحركة، وأكد حينها أن "الانتصار في متناول اليد". لكن بعد مرور أكثر من عام ونصف، تتكرر القصة نفسها من جديد غير أن هذه المرة في مدينة غزة، عاصمة القطاع، التي يصفها نتنياهو، هي الأخرى، بأنها "آخر معاقل حماس المهمة".
تكشف هذه اللغة المتكررة، حسب تقرير لصحيفة
وول ستريت جورنال، ليس فقط إصرار نتنياهو على إبقاء صورة النصر قريبة، بل أيضا الصعوبة العميقة التي تواجهها إسرائيل في تحقيق هدفها المعلن الذي يتمثل في القضاء التام على الحركة.
حرب العصابات وتحديات الجيش الإسرائيلي
اعتبرت صحيفة
وول ستريت جورنال أن تصريحات نتنياهو تفضح مأزق الجيش الإسرائيلي أكثر مما تعكس تقدمه. بينما نجحت إسرائيل في إضعاف حماس في مناطق واسعة من القطاع، لم تتمكن من القضاء عليها نهائيًا.
ومن أبرز التحديات التي يواجهها الجيش الإسرائيلي هو الخوض في معركة أشبه بلعبة "ضرب الخلد"، Whack-a-mole، يسيطرون من خلالها على حيّ أو يطردون مقاتلي حماس، ليعود ويظهروا في مكان آخر.
وعلى الرغم من أن الجيش أعلن عن السيطرة على أكثر من 40% من مدينة غزة وتنفيذ مئات الضربات على مواقع يصفها بأنها عسكرية، فإن التاريخ القريب يثبت أن مثل هذه الإنجازات لم تمنع الحركة من إعادة بناء نفسها.
وتوضح الصحيفة أن السبب الجوهري يكمن في طبيعة حرب العصابات، إذ ينسحب مقاتلو حماس مع المدنيين عند تقدم القوات الإسرائيلية، ويتركون مجموعات صغيرة لإيقاع الخسائر بالعدو، بينما يبقى عمودهم الفقري الحقيقي في شبكة الأنفاق الممتدة تحت الأرض.
إخفاقات سياسية وعسكرية متكررة
لم تحقق محاولة إسرائيل توجيه ضربات لقادة الحركة في الخارج، مثل العملية الأخيرة في قطر، أهدافها الكبرى، فيما اعترفت بعض الجهات الإسرائيلية نفسها بإمكانية فشلها.
تبيّن هذه الإخفاقات أن حماس ما زالت تملك قدرة على المناورة والصمود، حتى لو بدت غائبة عن المشهد العلني في شوارع غزة، بحسب وول ستريت جورنال. تعمل الحركة اليوم في الخفاء، تدير جزءًا من الاقتصاد وتسيطر على السكان عبر جهاز أمني سري، فيما تظل أنفاقها ملاذًا رئيسيًا لقياداتها ورهائنها.
ورغم كل ذلك، يرفض نتنياهو حتى الآن السماح لأي بديل فلسطيني بتولي إدارة القطاع بعد إضعاف حماس، رافضًا عودة السلطة الفلسطينية ومكتفيًا بالحديث عن "إدارة محلية" لم يحدد ملامحها. هذا الفراغ السياسي، بحسب محللين، يمنح ما يكفي من الوقت للحركة لإعادة بناء صفوفها ويجعل أي إنجاز عسكري غير مكتمل.
تتفق آراء كثير من المراقبين على أن إسرائيل قد تحقق مكاسب عسكرية مرحلية، لكنها عاجزة عن تحقيق انتصار حاسم من دون رؤية سياسية لمستقبل غزة.
يشير تقرير وول ستريت جورنال أنه إذا تمكنت إسرائيل من تفكيك البنية العسكرية لحماس، فستظل الأفكار والظروف التي تغذي الحركة قائمة. كما حذّر أحد الباحثين الإسرائيليين: "من دون حل سياسي، نحن محكومون بالفشل".
ويختم التقرير بأن وعود نتنياهو المتكررة بالنصر القريب تبقى مجرد انعكاس لصعوبة معركة طويلة، حرب لا تُحسم بالقوة وحدها بل بحلول أوسع تتجاوز الميدان العسكري.