"الغرويبرز" بين غزة وإسرائيل.. اغتيال كيرك يكشف "شرخ اليمين"
بعد اغتيال الناشط المحافظ تشارلي كيرك، مؤسس منظمة Turning Point USA، برصاص قنّاص في جامعة "يوتا فالي"، انفجرت موجة من الأسئلة والجدل في الولايات المتحدة عن شخصية تايلر روبنسون، الشاب البالغ 22 عاماً والمتهم بتنفيذ العملية، وحقيقة ارتباطه بحركة "الغرويبرز"، Groypers، المثيرة للجدل.
هذه الحركة التي طالما اصطدمت بكيرك ومثّلت تياراً أكثر تطرفاً من اليمين المحافظ التقليدي، تعود الآن إلى الواجهة مع اشتداد التكهنات حول ارتباط القاتل بها. ورغم غياب أدلة رسمية حتى الآن، فإن المؤشرات الرمزية والصور المنتشرة على الإنترنت غذّت هذه الفرضية، بحسب مجلة
نيوزويك، لتفتح بابا واسعا على صراع داخلي يعصف باليمين الأميركي.
لماذا يُذكر اسم الغرويبرز؟
ذكرت مجلة
فوربس أنّ كيرك كان هدفاً متكرراً لهجمات الغرويبرز الذين اعتبروه معتدلاً أكثر من اللازم. استهدفته الحركة من خلال الحضور والتشويش على فعالياته العلنية، كطرح أسئلة استفزازية والسيطرة على فترات النقاش العام.
ولتبدو قريبة من خطاب رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، كان أعضاء الحركة يرتدون قبعات "اجعلوا أمركا عظيمة مجددا"، بينما كان الهدف الحقيقي إحداث صدام بين كيرك والدوائر المحيطة بالرئيس، وفق صحيفة
الأندبندينتي الإسبانية.
وبعد مقتل كيرك، انتشرت صور لتايلر روبنسون، منفذ العملية، وهو يرتدي بدلة رياضية سوداء من "أديداس" جالساً في وضع القرفصاء، وهي صورة شُبّهت بميم "Pepe the Frog" في الوضعية نفسها، وهو رمز يستخدمه الغرويبرز على نطاق واسع. هذه الرمزية، إلى جانب تاريخ العداء بين الحركة وكيرك، غذّت الشكوك حول وجود صلة فكرية بين القاتل والغرويبرز.
يطلق مصطلح "الغرويبر" على تيار يميني متطرف في الولايات المتحدة، نشأ حول شخصية نيك فوينتس، ناشط قومي أبيض ومعلّق سياسي بارز. يعتمد هذا التيار على نشاط إلكتروني مكثف، المعروف بـ trolling، واستفزاز على وسائل التواصل الاجتماعي، ومواجهة الشخصيات المحافظة التي يعتبرها معتدلة، وفق تعريف
Institute for Strategic Dialogue.
وبحسب نفس المصدر، يتبنى الغرويبرز مواقف معادية للسامية، للمهاجرين، للنسوية، للمثليين، وللعولمة. ورغم عدم امتلاكهم بنية تنظيمية رسمية، فإنهم يتبعون الخط الفكري الذي رسمه فوينتس عبر برنامجه America First، الذي يمزج بين الخطاب القومي الأبيض والسخرية الجاذبة لجيل "زد".
وقد اكتسب فوينتس شهرته بعد مشاركته في مسيرة "توحيد اليمين" بمدينة شارلوتسفيل عام 2017، ثم أعلن لاحقاً "الحرب" على حملة ترامب الرئاسية بسبب دعمه لإسرائيل، الذي شكّل أيضاً سبباً رئيسياً لصدامهم مع كيرك، المعروف بدفاعه القوي عن إسرائيل.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة
نيويورك تايمز، يثير نيك فوينتس قلقاً متزايداً لدى قيادات التيار المحافظ حتى قبل اغتيال تشارلي كيرك، موضحة أنّه يختبر ولاء جمهوره الشاب من خلال مهاجمة الرئيس ترامب واعتباره غير يميني بما يكفي.
كشفت صحيفة
وول ستريت جورنال أنّ روبنسون لا ينتمي لأي من الأحزاب الرئيسية في الولايات المتحدة، ولم يصوّت في انتخابات 2024 رغم أنها كانت أول انتخابات له بعد بلوغ 18 عاماً. ومع أنّ أحد أقاربه أبلغ المحققين أنّه أصبح "أكثر اهتماماً بالسياسة" مؤخراً، إلا أن تفاصيل ميوله الفكرية غير واضحة.
أظهرت بصمات روبينسون الرقمية مؤشرات مثيرة للشك، من صور تعكس رموز الغرويبرز إلى رسائل غير منطقية كتبت على الرصاصات مثل "هي فاشي! أمسكني!" أو "O bella ciao" أو "إذا كنت تقرأ هذا فأنت مثلي".
وتعتبر، حسب موقع
ABC News، هذه العبارات المستوحاة من ثقافة المنتديات الرقمية سمة مميزة لتيارات مثل الغرويبرز. لكنها أيضاً قد تكون مجرد محاولة للتضليل أو استفزاز الرأي العام أكثر من كونها رسالة سياسية واضحة.
أمام تصاعد الجدل، خرج نيك فوينتس نافياً أي صلة لحركته بالحادثة، وكتب على حسابه بمنصة إكس: "الإعلام يلفّق تهمة قتل تشارلي كيرك لنا دون أي دليل". وأرسل رسالة صارمة لمتابعيه قال فيها: "أدعو الله ألا يتكرر هذا العنف. إذا حمل أي منكم السلاح باسمي فأنا أتبرأ منه. أرفض العنف بأقوى العبارات."
هل اليمين الأميركي منقسم على نفسه؟
كشف حادث اغتيال كيرك هشاشة وحدة اليمين الأميركي، لاسيما أن حركة الغرويبرز نشأت أساساً من صدامات عام 2019 مع شخصيات محافظة مثل كيرك فيما عُرف بـ"حروب الغرويبر"، حيث سعت لتأطير الخطاب المحافظ في قوالب قومية بيضاء أكثر راديكالية.
أوضح تحليل أجراه
معهد البحوث والتعليم حول حقوق الإنسان أنّ الغرويبرز وفوينتس ينافسون كيرك على الجمهور ذاته: الشباب المحافظ. لكن الفارق أنّ كيرك حقق نفوذاً مؤسسياً أكبر من خلال قربه من ترامب، بينما ركّز الغرويبرز على العمل الرقمي والاستفزاز. ولذلك، تحوّل كيرك إلى هدف أساسي لهجماتهم، وهو ما جعل وسائل الإعلام تزعم حول علاقة قاتله بهم تبدو منطقية، رغم أنّها لا تزال دون أدلة قاطعة.
وفي مسعاه للظهور كرمز لانقسام التيار الجمهوري، لم يتردد في مهاجمة الرئيس ترامب بشكل علني، منتقداً تضامنه مع إسرائيل في حرب غزة، ورفضه الكشف عن ملفات إبستين، وتفكيره في تمديد تأشيرات الدراسة للطلاب الصينيين، وفقا لتقرير خاص عنه نشرته صحيفة
نيويورك تايمز يوما قبل اغتيال كيرك.
وكتب في يوم عيد العمال: "ترامب 2.0 كان خيبة أمل في كل شيء تقريباً، لكن لا أحد يريد الاعتراف بذلك." ويرى المؤرخ السياسي مات داليك، المتخصص في الحركات اليمينية، أنّ "فوينتس يمثّل الطليعة الجديدة لعنصرية يمينية تصاعدت خلال العقد الأخير مع صعود ترامب، ومن الواضح أنّه يزداد بروزاً لأن كبار المؤثرين باتوا يتصارعون معه."