نتنياهو و"السوبر إسبرطة".. كوريا الشمالية بطابع إسرائيلي؟
على وقع تصاعد الدعوات الدولية لفرض عقوبات على إسرائيل، واتخاذ دول صديقة تقليدياً خطواتٍ ضدها، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنّ بلاده مقبلة على مرحلة من العزلة ستطال حياة الإسرائيليين وجيوبهم.
ففي كلمة ألقاها خلال مؤتمر لوزارة المالية، قال إنّ إسرائيل تتجه نحو اقتصاد مغلق، تُقيَّد فيه الواردات بسبب رفض دول عدة التعامل معها، ما يفرض عليها تلبية احتياجاتها بنفسها، لاسيما ما يخص الصناعات الدفاعية.
وفي ظلّ الحظر الجزئي أو الكامل على بيع السلاح لإسرائيل من دول أوروبية عدّة بينها فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وهولندا وبريطانيا، اعتبر نتنياهو أنّ بلاده لم يعد أمامها خيار سوى تعزيز صناعتها الدفاعية محلياً، مؤكداً أنّ إسرائيل ستتحول إلى "أثينا" و"سوبر إسبرطة" معاً" لضمان بقائها في مواجهة محاولات عزلها.
غير أنّ هذه الرؤية قوبلت بمعارضة داخلية حادة، إذ أن زعيم المعارضة يائير لابيد وصف تصريحات نتنياهو بـ"الجنونية"، محمّلاً سياساته مسؤولية تحويل إسرائيل إلى "دولة من العالم الثالث".
أما غادي آيزنكوت، القائد العسكري السابق، فرأى أنّ الضرر الذي ألحقه نتنياهو وحلفاؤه لا يمكن إصلاحه، متهماً إياه بترك الرهائن لمصيرهم وعزل إسرائيل عن العالم.
نتنياهو وتشبيه "إسبرطة" و"أثينا"
بحسب موقع
GreekReporter، فإنّ استعارة نتنياهو لإسبرطة لا تقتصر على الإشارة إلى قوتها العسكرية، بل تهدف لرفع معنويات الإسرائيليين عبر استدعاء صورة مدينة اشتهرت بالانضباط الصارم والاستعداد الدائم للحرب على حساب التجارة والانفتاح.
كما أن المقارنة تهيّئ الرأي العام لتقبّل التضحيات الاقتصادية التي قد تفرضها العزلة، مثل ارتفاع الأسعار، الزيادة في الضرائب وتدهور خدمات الصحة والتعليم.
في المقابل، يرمز استحضار أثينا إلى الابتكار والقوة الثقافية والديمقراطية. وبالجمع بين "سوبر إسبرطة" و"أثينا"، بحسب موقع
GreekReporter، يسعى نتنياهو لتصوير إسرائيل كدولة قادرة على امتلاك التفوق العسكري والقدرة التكنولوجية والديمقراطية معاً، لا مجرد كيان عسكري مغلق.
غير أنّ موقع
Israel Defense يقدّم قراءة مغايرة، إذ يرى أن إسبرطة لم تعرف سوى النزعة العسكرية المطلقة، حيث تربى كل طفل ليصبح جندياً، وهو ما يعني أنّ نتنياهو يدعو الإسرائيليين لحياة مليئة بالصراعات الدائمة، في ظل اقتصاد مكتفٍ ذاتياً أقرب ما يكون إلى النموذج الكوري الشمالي.
مؤشرات دخول إسرائيل مرحلة العزلة
تشير التقارير إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي بدأ يدفع ثمن هذه العزلة، إذ تؤكد وكالة
فيتش أنّ التصنيف الائتماني لإسرائيل لا يزال عند مستوى "أ"، لكن مع نظرة مستقبلية سلبية، ما يعكس المخاطر المتزايدة التي تحيط بوضعها المالي والاقتصادي.
وتشير الوكالة الدولية للتصنيف الائتماني إلى أنّ الديون العامة في ارتفاع، وأنّ العجز في الموازنة ما زال يفوق المستويات المستهدفة، فيما يفاقم الصراع في غزة الضغوط على المالية العامة ويؤجج حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي. هذا الواقع استنزف الميزانية بمليارات إضافية تُوجَّه لخدمة الدين بدلاً من التعليم والصحة والرفاهية.
معنى العزلة الاقتصادية لإسرائيل
بحسب ما نقلته قناة
كان، فإنّ العزلة تعني غياب التجارة الدولية والمنافسة، وارتفاع الأسعار، وإثقال الشعب بالضرائب. ومع تفاقم أزمة الغلاء، يخشى محللون أن تتحول إسرائيل إلى نسخة شبيهة باليونان المفلسة في مطلع الألفية.
وفي السياق ذاته، أشار موقع Israel Defense إلى أنّ إلغاء إسبانيا صفقة تسليح مع شركة "إلبت سيستمز" يجسد مكانة إسرائيل المتنامية كدولة منبوذة. كما أنّ حصر الثروة الوطنية في التصنيع العسكري سيعني مستقبلاً مظلماً للتعليم والصحة والثقافة، كما أنّ غياب التكنولوجيا والاستثمار الأجنبي سيُضعف حتى قوة الجيش ذاته ويقوّض قدرته على الردع.
عائلات الرهائن وانتقادات الداخل
في قلب هذه المأساة يبرز ملف الرهائن، الذين يعيشون تحت القصف فيما تعتصم عائلاتهم ليالي متواصلة أمام منزل نتنياهو في القدس.
كما نقل Israel Defense، فإنّ هؤلاء يشكلون ضمير المجتمع الإسرائيلي، بينما يواصل نتنياهو المراهنة على خطاب "السوبر إسبرطة".
وتكمن المفارقة في مطالبة نتنياهو الإسرائيليين بتحمّل الحرمان الاقتصادي والمعيشي، في وقتٍ يشكك فيه كثيرون بأنّ أسرته ستتقاسم هذه المعاناة. فبالنسبة لمنتقديه، لا تعدو سياساته سوى وسيلة لحشد قاعدته السياسية والتغطية على محاكمته بالفساد. وبذلك، يُطلَب من الإسرائيليين التنازل عن مستقبلهم ومكانتهم الدولية فقط ليبقى نتنياهو يوماً آخر في السلطة.