بعد "هجوم الدوحة".. تلميحات "الهدف المقبل" تقلق تركيا
تشهد منطقة الشرق الأوسط منذ محاولة إسرائيل اغتيال وفد حركة حماس في الدوحة تصعيداً غير مسبوق، يتمثل في موجة من التهديدات المباشرة وغير المباشرة ضد تركيا، وفق ما جاء في تقرير نشرته صحيفة
لوموند الفرنسية.
انطلقت هذه التهديدات من منصات التواصل الاجتماعي حيث نُشرت تدوينات وصور تستهدف بشكل صريح مدينتي إسطنبول وأنقرة، مترافقة مع دعوات صريحة من بعض الحسابات الإسرائيلية باعتبار تركيا الهدف المقبل بعد قطر.
وقد أثارت هذه المؤشرات قلقاً متزايداً في الأوساط السياسية والأمنية التركية، زاد من حدتها تصريح وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير الذي ساوى، من خلال تدوينة على حسابه بمنصة إكس، علناً بين "تركيا وحماس"، وهو ما اعتُبر رسالة سياسية واضحة بأنّ العلاقات بين أنقرة وتل أبيب دخلت مرحلة أزمة جديدة.
إدانة تركية للهجوم على الدوحة
عقب الهجوم على الوفد الفلسطيني في الدوحة، أدانت وزارة الخارجية التركية العملية ببيان جاء فيه: "ندين هجوم إسرائيل على فريق التفاوض التابع لحركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة"، معتبرة أن استهداف فريق التفاوض خلال مباحثات وقف إطلاق النار يظهر أن إسرائيل لا تسعى إلى السلام بل إلى استمرار الحرب.
وبحسب موقع
فوكوس بلاس أشار البيان إلى أنّ قطر، التي توسطت في مفاوضات التهدئة، أُضيفت إلى قائمة الدول المستهدفة من إسرائيل في المنطقة، وهو ما اعتُبر دليلاً إضافياً على تبني تل أبيب سياسات توسعية قد تشمل دولا أخرى في المنطقة.
ونشر الموقع الرسمي لهيئة الاتصالات التركية التابع لرئاسة الجمهورية ردا للرئيس رجب طيب أردوغان، قال من خلاله: "من جعل الإرهاب سياسة دولة لن يحقق أهدافه أبداً. سنواصل موقفنا الحازم ضد بلطجة إسرائيل التي تسعى إلى جر المنطقة كلها إلى الكارثة، وسندافع عن السلام والقانون الدولي وحرية الشعب الفلسطيني مهما كان الثمن".
عاصفة على وسائل التواصل الاجتماعي
بعد الهجوم في الدوحة، تصاعدت على منصات التواصل الاجتماعي منشورات إسرائيلية تستهدف تركيا باعتبارها "الهدف المقبل"، وفقا لما ذكر موقع
Orta Doğu Haber التركي.
في هذا الشأن، نشر حساب يدعى Terror Alarm صورة يشكر فيها الجيش الإسرائيلي مرفقة بعبارة "الوجهة التالية إسطنبول". وأعاد أحد المستخدمين يدعى Avi Avidan نشر التغريدة مضيفاً إحداثيات المجمع الرئاسي في أنقرة. كما كتب مايكل روبين، مدير Middle East Forum،
منشوراً جاء فيه: "تركيا قد تكون التالية".
على غرار ذلك، نشر الأكاديمي الإسرائيلي مئير مصري عدة تغريدات بالتركية استهدفت أنقرة بشكل مباشر، أبرزها قوله: "من يهاجم الدوحة يمكن أن يهاجم أنقرة أيضاً". كما وجّه رسالة شخصية إلى الرئيس أردوغان قائلاً: "نصيحة إلى أردوغان: انظر حولك"، وأتبعها بصورة لأردوغان مع إسماعيل هنية الذي اغتيل في إيران قائلاً: "اليوم قطر، وغداً تركيا".
أما بن غفير فاستغل الصورة نفسها ليكتب تعليقاً صريحاً: "تركيا = حماس". وبحسب صحيفة
لوموند، فإن تصريحات بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت باعتبار قادة حماس أهدافاً مشروعة أينما وُجدوا، دفعت صانعي القرار في أنقرة إلى إعادة حساباتهم.
هل تجرؤ إسرائيل على ضرب تركيا؟
عقب الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، أثارت وسائل الإعلام الدولية، وفي مقدمتها
التركية و
الإسرائيلية، تساؤلات حول احتمال توجيه إسرائيل ضربة إلى تركيا.
يرى مراقبون أن هذا السؤال بات مطروحاً بجدية بعد هجوم الدوحة، إذ أن الباحث السياسي في جامعة إسطنبول مدنييت، فيسيل كورت، قال لموقع فوكوس بلس إنّ على أنقرة أن تبدأ في التعامل مع الأفعال الإسرائيلية، سواء كانت مباشرة أو عبر وكلاء، ليس باعتبارها احتمالات بعيدة، بل كتهديدات حقيقية.
ويضيف كورت أنّ بعض المصادر تؤكد أنّ إسرائيل "لن تجرؤ" على استهداف تركيا بشكل مباشر لسببين: أولاً، لأن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، وهو الحليف الوحيد الذي لا يصنف حماس منظمة إرهابية. وأي هجوم عليها سيفعّل المادة الخامسة التي تعتبر أي عدوان على عضو في الحلف اعتداءً على الجميع.
لكن
مؤسسة تركيا للبحوث حذّرت من الركون إلى هذه الفرضية، موضحة أنّ إدارة ترامب سبق أن لوّحت لحلفائها الأوروبيين بأن المادة الخامسة قد لا تُطبّق دائماً، وبالتالي لا يجب على أنقرة أن تفترض أنّ عضويتها في الناتو ستحميها من عمل عسكري إسرائيلي.
كما يقول خبراء إن إسرائيل تدرك أن تركيا مختلفة عن باقي دول المنطقة، فهي قد لا تواجهها عسكرياً بشكل مباشر، لكنها قادرة على إثارة الفوضى داخلها عبر أساليب غير تقليدية مثل العمليات السرية باستخدام عملاء محليين أو الهجمات السيبرانية من خلال حملات تضليل في الداخل التركي أوعمليات تخريب، وفق ما جاء في تقرير نشره موقع
Aze Media الأذربيجاني.
ساحات بديلة وصراع بالوكالة
تؤكد تحليلات منشورة في موقع
مؤسسة تركيا للبحوث أنّ أي مواجهة عسكرية مباشرة بين أنقرة وتل أبيب ستكون كارثية على الطرفين، ولذلك يرجّح أن تتركز ساحات المواجهة بالوكالة في سوريا، حيث يدعم الإسرائيليون جماعات انفصالية مثل الدروز والأكراد والعلويين سعياً إلى إضعاف النفوذ التركي هناك.
كما ذكّرت صحيفة لوموند بأن رئيس الشاباك السابق رونين بار حذر بعد هجوم 7 أكتوبر 2023 قادة حماس في لبنان وقطر وتركيا من أنهم سيُستهدفون أينما وجدوا، وهو ما استدعى رداً شديد اللهجة من أردوغان الذي أكد أن إسرائيل "ستدفع ثمناً باهظاً" إذا تجرأت على تنفيذ مثل هذا السيناريو.