فيكتور أوربان.. المتمرّد الذي يزعج "الغرب"
في إحدى تغريداته الأخيرة، كتب رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان: "الاتحاد الأوروبي يتأرجح على حافة الهاوية، غارقاً في الديون والهجرة والعنف والسياسات الفاشلة، بينما هنغاريا تقف ثابتة: بلا مهاجرين، مؤيدة للأسرة، تمنح فرص العمل لمن يريد".
كلمات مقتضبة لكنها كافية لرسم صورة رجل يرى نفسه صاحب رسالة في زمن الانهيارات الأوروبية، وزعيم يقف متحدياً التكتل الذي تنتمي إليه بلاده، لكنه لا يتردد في التشكيك في شرعيته ورؤيته.
وُلد أوربان عام 1963 في بلدة ألتشودوبوز الصغيرة غرب بودابست. نشأ في أسرة متوسطة، كان والده مهندساً زراعياً يعمل في مؤسسات الدولة الشيوعية، ووالدته معلمة لذوي الاحتياجات الخاصة، بحسب
الموقع الرسمي للبرلمان المجري .
انتقلت العائلة في أواخر السبعينيات إلى مدينة سيكسفهرفار، حيث تميّز الابن الأكبر بين 3 أشقاء في دراسته الثانوية، خصوصاً في اللغة الإنكليزية، ما فتح له أبواباً أوسع نحو عالم السياسة والفكر.
درس القانون في الجامعة، وسرعان ما أسّس مع زملائه منتدى طلابياً حمل اسم "كلية بيبّو"، ومنها انطلقت مجلة "نهاية القرن" الفكرية التي عبّرت عن تطلعات جيل يسعى للقطيعة مع الشيوعية، وفق ما جاء في الموقع الرسمي لرئيس الوزراء المجري،
miniszterelnok.
أضفى زواجه المبكر عام 1986 من المحامية أنيكو ليفاي وتكوينه لأسرة كبيرة من 5 أبناء بعداً محافظاً على شخصيته السياسية.
جاءت المحطة المفصلية في 16 يونيو 1989، حين وقف الشاب ذي 26 عاماً في جنازة الزعيم الإصلاحي إيمري ناجي، ليطالب علناً بانسحاب القوات السوفيتية وإجراء انتخابات حرة. كان ذلك الإعلان الجريء بطاقة عبوره نحو الساحة السياسية الأوروبية، وصار اسمه مرتبطاً بالمقاومة والشجاعة في لحظة تاريخية فارقة، بحسب
بي بي سي.
من ليبرالي شاب إلى زعيم قومي
بدأ أوربان مساره في أواخر الثمانينيات ضمن حركة شبابية ليبرالية، قبل أن يتحوّل مع مرور الزمن إلى زعيم قومي محافظ. أعاد حزبه "فيدس"، الذي وُلد كمنصة ليبرالية، تشكيل نفسه تدريجياً ليصبح وعاءً أيديولوجياً يمزج بين القومية المجرية، المسيحية السياسية، والشعبوية المحافظة.
منذ عودته إلى السلطة عام 2010، بعد فترة أولى قصيرة بين 1998 و2002، بنى أوربان نظاماً يصفه بأنه "ديمقراطية غير ليبرالية"، فيما يراه خصومه "استبداداً انتخابياً"، ، وفق بي بي سي. أعاد صياغة الدستور، أحكم قبضته على الإعلام والقضاء، وواجه انتقادات أوروبية حادة بشأن تراجع الحريات. لكنه في الداخل ظلّ قادراً على حشد قاعدته عبر خطاب وطني بسيط: حماية الهوية، دعم الأسرة، رفض المهاجرين، وتخفيض الضرائب.

فيكتور أوربان.. المتمرّد الذي يزعج "الغرب" (أ.ب)
في خطاب ألقاه أثناء افتتاح مسبح سيبوش مارتون في مدينة سيكسزهارد يوم الثلاثاء 16 سبتمبر 2025، أعلن أوربان أنّ الزمن الذي كان فيه الهنغاريون يفترضون أنّ كل ما يقع غرب بلادهم أفضل قد انتهى، وفقا لما نقله موقع
Hungarian Conservative.
وأوضح أنّ أوروبا الغربية قد تظل أكثر ثراءً، لكنها لم تعد أكثر أماناً أو استقراراً، معتبراً أنّ هنغاريا قادرة على تقديم نموذج بديل يقوم على الانضباط الاجتماعي والسياسات المحافظة.
كما صعّد أوربان هجومه على رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، متهماً إياها بمحاولة "جرّ أوروبا الوسطى إلى أتون الحرب"، وفقا لما ذكوه موقع
Reporting Democracy. انتقد بشدة سياسات الاتحاد المتعلقة بالتحوّل الأخضر والعقوبات على روسيا والهجرة، واعتبر أنها تقود الكتلة الأوروبية "نحو الهاوية".
وأعلن دعمه لمذكرة حجب ثقة ضدها، مؤكداً أن أسسها السياسية "هشّة"، بحسب صحيفة
بوليتيكو.
وفي الداخل، لم يفوّت الفرصة لمهاجمة أحزاب المعارضة، خاصة حزب تيسا وحزب دي كي، متهماً إياهما بخدمة مصالح بروكسل والسعي لفرض ضرائب تصاعدية تثقل كاهل الطبقة الوسطى من معلمين وأطباء وعسكريين، في وقت يصرّ فيه على أن الحفاظ على معدلات ضرائب منخفضة لعقد أو عقدين مقبلين هو الضمانة لحماية دخول المجريين وثرواتهم، بحسب موقع
About Hungary.

فيكتور أوربان.. المتمرّد الذي يزعج "الغرب" (أ.ب)
يحب أوربان أن يقدّم نفسه كصوت صريح ضد "النخب الليبرالية" في بروكسل، إذ لا يتردّد في اتهام الاتحاد الأوروبي بأنه يسير "نحو الهاوية" بسياسات خضراء غير واقعية، وعقوبات على روسيا أضرّت بالاقتصاد الأوروبي، وبرامج هجرة "تدمّر المجتمعات".
لا يكتفي أوربان بالخطاب، بل يترجم مواقفه عملياً، إذ شيد عام 2015 جداراً حدودياً لمنع تدفق اللاجئين، وأقرّ قانون "أوقفوا سوروس" الذي يجرّم مساعدة المهاجرين، وفقا لصحيفة
نيويورك تايمز. هذه السياسات أدت إلى إدانة محكمة العدل الأوروبية، لكنها عززت مكانته داخلياً كمدافع عن "هنغاريا للمجريين".
رؤية أوراسية.. الشرق بديلاً عن الغرب
خارجياً، لا يخفي أوربان إعجابه بتجارب الشرق الصاعد، إذ أعلن في منتدى أوراسيا ببودابست 2024 أن "مركز الاقتصاد العالمي تحرك شرقاً"، وفق صحيفة
Hungary Today، مشدداً على أن الاقتصادات الآسيوية تنمو أربع مرات أسرع من الأوروبية. يقدّم هنغاريا كنموذج لأوراسيا حية، جغرافياً وثقافياً، تسعى للجمع بين الغرب والشرق.
عملياً، عزز شراكاته مع الصين في مشاريع البنية التحتية، ورفض قطع خطوط التعاون مع روسيا رغم الحرب في أوكرانيا بحجة "أمن الطاقة".

فيكتور أوربان.. المتمرّد الذي يزعج "الغرب" (أ.ب)
أوربان والمهاجرون.. جدل لا ينتهي
بالنسبة لأوربان، ليست الهجرة مجرد قضية تقنية، بل هي معركة وجودية. يكرر في خطاباته أن "المجتمعات المختلطة" تعني الفوضى، وأن أوروبا الغربية "ضحّت بمستقبلها" عبر فتح الأبواب أمام موجات الهجرة، حسب موقع About Hungary. ورغم تعاطفه المعلن مع الباحثين عن حياة أفضل، فإنه يصرّ على أن واجبه الأول هو "حماية فضاء بلاده وأمنها".
هذا الموقف جعل منه رمزاً للحركات الشعبوية عبر أوروبا، التي ترى فيه زعيماً جريئاً يكسر المحرّمات ويقول ما لا يجرؤ آخرون على قوله. لكنه أيضاً جعله هدفاً دائماً لانتقادات المنظمات الحقوقية والاتحاد الأوروبي، الذي يتهمه بانتهاك سيادة القانون وحقوق الأقليات، كما هو وارد في على موقع
Civil Rights Defenders.
زعيم أطول عمراً وأشد إثارة للجدل
بعد أكثر من عقد في الحكم، بات أوربان أطول القادة بقاءً في السلطة داخل الاتحاد الأوروبي.
وصف البرلمان الأوروبي نظامه بأنه "هجين"، فيما يصفه أنصاره بأنه "حصن ضد العولمة".
وبين هذا وذاك، يبقى حضوره الكاريزمي وسرعة بديهته عاملين يحولان دون تهميشه، إذ هو سياسي يثير الانقسام: بطل قومي لدى جمهوره، وخطر على الديمقراطية بنظر خصومه.