الاعتراف الأوروبي بـ"فلسطين".. سلام أو استعادة مصداقية مفقودة
شهد الأسبوع الجاري تحوّلاً لافتاً في المواقف الغربية حيال القضية الفلسطينية، إذ أعلنت بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، لتلتحق بها فرنسا بعد ساعات فقط، في خطوة وُصفت بالتاريخية من حيث توقيتها وتداعياتها.
غير أن هذا التطوّر أثار جدلاً واسعاً حول دوافعه، بين من يراه تعبيراً عن إرادة صادقة لإحياء مسار السلام المتعثر منذ سنوات، ومن يعتبره محاولة من هذه العواصم لاستعادة جزء من المصداقية التي فقدتها بفعل سياساتها المزدوجة في الشرق الأوسط.
جاءت الاعترافات الغربية متزامنة مع تفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة واستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية وتصاعد وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية.
وقدمت باريس إعلانها قبيل مشاركتها في مؤتمر دولي مشترك مع السعودية حول حل الدولتين، في إشارة إلى رغبتها في إعادة التموضع كوسيط فاعل. أما لندن وكانبيرا وأوتاوا، فقد برّرت قراراتها بأنها تهدف إلى "تعزيز فرص الحل السياسي" و"إعادة الاعتبار للشرعية الدولية"، فيما رأت لشبونة أن استمرار تجاهل الحقوق الفلسطينية لم يعد ممكناً في ظل الواقع الراهن.
برزت داخل إسرائيل أصوات اعتبرت هذه الاعترافات خطوة بنّاءة، حيث قال آمي أيالون، المدير السابق لجهاز الشاباك، إنّ الاعتراف البريطاني يُشكّل "كابوساً" لحركة "حماس" وليس "هدية"، بحسب
ذا تايمز.
لكن في المقابل، انتقد مارك دوبوفيتز، الرئيس التنفيذي ل
مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، هذه الاعترافات معتبراً أنّ "قادة غربيين غير محبوبين يسعون لاسترضاء العالم الإسلامي والعربي عبر الاعتراف بدولة فلسطينية". كما رأى أوردي كيتري أنّ "الاعتراف بدولة يسيطر على 40% من سكانها تنظيم حماس يُعدّ خطوة مناقضة للقانون الدولي ومضادة لعملية السلام".
"مسرحية" لاستعادة المصداقية؟
يعتقد بعض المراقبين أنّ هذا التوقيت للاعترافات ليس بريئاً بالكامل، بل يرتبط بسعي عواصم غربية لاستعادة مصداقية فقدوها، لاسيما بعد تنامي التحذيرات داخل الغرب نفسه من فقدان "رصيدهم الأخلاقي" وأحقيتهم في الدفاع عن القيم الديمقراطية والإنسانية في العالم.
حذّر الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي سابقاً جوزيب بوريل، في مقال بصحيفة
لوموند الفرنسية من انتهاج "معايير مزدوجة" بخصوص غزة، قائلاً: "بينما نلجأ للقانون الدولي بأوكرانيا لا يمكننا تجاهل ذلك في غزة".
وأشار بوريل إلى أنه بخلاف ذلك فإن الانتقادات الموجهة إلى "المعايير المزدوجة" ستزداد في المجتمع الدولي.
في أستراليا، حذّر خبراء قانونيون من أنّ على كانبيرا أن تتوقف عن اعتماد "معايير مزدوجة" في تعاملها مع إسرائيل بشأن جرائم الحرب المزعومة، وأن تلتزم بالنظام الدولي القائم على القواعد، وذلك وفقاً لصحيفة
الغارديان.وقال البروفيسور بن سول، الخبير البارز في حقوق الإنسان والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان، إنّ أستراليا "ينبغي أن تترجم أقوالها إلى أفعال" عبر استخدام الأدوات المتاحة لها مثل العقوبات والحظر التجاري للضغط على إسرائيل من أجل إنهاء غزوها لغزة.
وأضاف سول في حديثه للغارديان أنّ "هناك منذ زمن طويل معايير مزدوجة تجاه إسرائيل مقارنة ببعض الدول الأخرى"، مشيراً إلى العقوبات التي فُرضت على روسيا عقب ضمها لشبه جزيرة القرم عام 2014 وهجومها المستمر في أوكرانيا.
ردود الفعل الدولية والشرط الحيويّ للعمل الحقيقي
إلى جانب التأكيد على شرعية الخطوة من الناحية الدبلوماسية، تُثار تساؤلات عمّا إذا كانت هذه الاعترافات سترافقها خطوات تنفيذية ملموسة: من رصد حقوق الإنسان، إلى فرض عقوبات إن لزم الأمر، إلى التزام واضح بإنهاء الاحتلال، والاعتراف الكامل للمفاوضات الممكنة التي تراعي سيادة الفلسطينيين.
كما يرى بعض المحللين أن الاعتراف يجب أن يُتبع بسياسات فعلية، ليس فقط بيانات أو قرارات رمزية، كي يكتسب أثره الحقيقي على الأرض ويُلبّي التطلعات الفلسطينية ويُعيد للغرب جزءاً من مصداقيته أمام الشعوب التي تتابع مواقفهم عن كثب.