سياسة

إسرائيل والآثار المقدسية.. كتابة تاريخ على حساب الفلسطينيين؟

نشر
blinx
عندما زار وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو القدس هذا الشهر، كانت الرحلة التي نظمها له مضيفوه الإسرائيليون تركز على علم الآثار أكثر من أي شيء آخر. في يومه الأول، أخذ بنيامين نتنياهو روبيو إلى الحفريات تحت الأرض قرب الحائط الغربي.
وفي اليوم الثاني، منح رئيس الوزراء الإسرائيلي زائره الأميركي "شرف" افتتاح نفق تحت حي فلسطيني، على طول شارع من العصر الروماني يُعرف باسم طريق الحج، في حديقة أثرية باسم "مدينة داوود" أُنشئت بواسطة منظمة مستوطنين إسرائيلية.
كان الهدف من كلا الحدثين التأكيد على الجذور اليهودية للقدس وعلى مكانتها، كما شدد نتنياهو، باعتبارها "عاصمتنا الأبدية والموحدة"، بحسب تعبيره.
وأثناء قيام روبيو بهذه الجولة في القدس القديمة، قصفت الطائرات الإسرائيلية أهم مستودع لتخزين القطع الأثرية في مدينة غزة، مُدمرةً ٣ عقود من العمل الأثري.

معركة تاريخية

لطالما كانت المعركة حول التاريخ جزءًا من الصراع الأوسع بين إسرائيل وفلسطين. لكن هذا الصراع لم يكن يومًا ظاهرًا مثلما كان في الشهر الماضي، بحسب تحليل لصحيفة الغارديان.
فقد صُممت جولة روبيو لتسليط الضوء على تاريخ مشترك يهودي-مسيحي يركز على القدس ويربط قاعدة الحزب الجمهوري الإنجيلي بالدولة الإسرائيلية، بحسب التحليل.
رافق نتنياهو وروبيو، مع زوجاتهما، رجل يجسد هذا الارتباط، مايك هوكابي، القس الإنجيلي الذي أصبح سفيرا لإسرائيل في عهد ترامب، وهو داعم صريح لتوسع إسرائيل الإقليمي.
هوكابي يعتبر أن "لا يوجد فعليًا شيء اسمه فلسطيني"، ويرفض مصطلح الضفة الغربية ويفضل استخدام المصطلحات التوراتية يهودا والسامرة للإشارة إلى الأراضي المحتلة.

ماذا يريد نتنياهو من هذه الجولة؟

من خلال تنظيم جولة تصور أسس القدس على أنها يهودية بالكامل، كان نتنياهو وهوكابي يسعيان لتعزيز الحجة التاريخية للسيطرة الإسرائيلية الكاملة على القدس، بدلًا من مدينة مقسمة قد تنتج عن أي اتفاق سلام بين إسرائيل وفلسطين.
وكرّس نتنياهو مسيرته السياسية لتدمير أي إمكانية لدولة فلسطينية، ولديه الآن حلفاء لهم تأثير كبير في الإدارة الأميركية.
ويقول علماء آثار مستقلون إن نتنياهو وداعميه الأميركيين يحاولون، دعم السيطرة الإسرائيلية المطلقة كحل للصراع في الشرق الأوسط، واختراع تاريخ خالٍ من كل تعقيدات الأرض التي كانت محل نزاع على مدى آلاف السنين.

ما قصة النفق؟

وصف روبيو نفق "طريق الحج" بأنه "ربما أحد أهم المواقع الأثرية على كوكب الأرض". ويتبع هذا النفق مسار طريق يعود للقرن الأول الميلادي يؤدي إلى الموقع الحرم القدسي.
قدمت مجموعة المستوطنين "إيلاد"، التي أنشأت موقع "مدينة داوود" على أراضٍ فلسطينية مصادرة في حي سلوان، الطريق على أنه مسار كان يسلكه اليهود.
وقد أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أن المشروع غير قانوني لأنه بُني على أراضٍ محتلة كجزء من جهود أوسع لتهجير الفلسطينيين، ولقد دانت لجنة تحقيق أممية العام الماضي استخدامه علم الآثار لأغراض سياسية.
وقالت اللجنة: "رغم تاريخها الغني والمتنوع، يركز السرد المقدم في موقع مدينة داوود على التاريخ اليهودي فقط ... متجاهلاً كل العصور والثقافات الأخرى".
وأشار ألون أراد، رئيس مجموعة مستقلة من علماء الآثار تسمى "إيميك شافي"، إلى أن النفق قد افتُتح مرة سابقة خلال ولاية ترامب الأولى على يد سفيره الأول في إسرائيل، ديفيد فريدمان.
وقال أراد: "هذا الاحتفال بأكمله الآن غريب تمامًا، هذه المراسم دليل آخر على أن مشروع حديقة مدينة داوود الأثرية لا علاقة له لا بالآثار ولا بالتراث".

رواية "مشكوك في مصداقيتها"

ادعى بعض علماء الآثار أن هيكلًا حجريًا كبيرًا على الموقع هو مدينة داوود التوراتية، لكن هذا الادعاء مثار جدل كبير.
ويتهم أراد أيضًا منظمة "إيلاد" باستخدام طرق مشكوك في صحتها.
وأضاف: "توقف علماء الآثار عن الحفر في الأنفاق منذ بداية القرن العشرين، أنهم يحفرون في أنفاق تحت منازل الناس دون إذنهم تجعل كل هذا علم آثار سيئ (...) كلها محاولة لتهويد التراث الكامل لهذه المنطقة".
كما أدانت مجموعة "إيميك شافي" قصف إسرائيل للمستودع الأثري في مدينة غزة يوم الأحد، بينما كان روبيو يجري جولته "التاريخية".
وقالت المجموعة في بيان: "منذ بداية الحرب، ألحقت إسرائيل أضرارًا بمئات المواقع والقطع الأثرية المحمية أو دمرتها. كان المستودع يحتوي على حوالي 30 عامًا من الأعمال الأثرية في قطاع غزة ويضم عشرات الآلاف من القطع. تم نقل بعضها لكن الكثير دُمر".

محو آثار غزة

وقد منحت القوات الإسرائيلية علماء الآثار الفلسطينيين والمدرسة الفرنسية للآثار، التي تدعم الموقع، ٣ أيام لإفراغ المستودع قبل قصفه، لكن لم يكن هناك وقت سوى لنقل بعض القطع في شاحنة واحدة.
وقال مسؤول في المدرسة: "لم نتمكن من العودة لمهمة ثانية بسبب نقص الشاحنات والسائقين، وبالأخص بسبب الخطر، لذلك فقدت بعض القطع".
وصادرت القوات الإسرائيلية المستودع في هجوم بداية العام الماضي، حيث سمح موظفو هيئة الآثار الإسرائيلية بتفقده، مخالفين القانون الدولي.
بعض القطع التي تمكن علماء الآثار من نقلها قبل القصف تعرضت للكسر أثناء النقل في الشاحنات المكشوفة الوحيدة المسموح بها من قبل الجيش الإسرائيلي، وهي الآن في موقع غير معلن وتتعرض للعوامل الجوية.
وأصدرت إدارة الجيش الإسرائيلي للشؤون الفلسطينية المحتلة، "كوغات"، بيانًا قالت فيه إنها ساعدت في مهمة الإنقاذ، واصفةً إياها بأنها "نقل للقطع الأثرية النادرة، الفسيفساء والفخار الخاص بالمجتمع المسيحي في غزة".
لكن في الواقع، كانت القطع الأثرية تعود إلى فترات متعددة، وترتبط بحضارات وديانات متعددة.
وقال أراد: "إنها توصيف غريب. لا أعلم ما كان دافع كوغات. أستطيع فقط الافتراض أن إسرائيل ما زالت تحاول الحفاظ على علاقاتها الخارجية مع الكنيسة الإنجيلية المسيحية في الولايات المتحدة".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة