سيناريو "بيروت 82".. هل تعيد حماس تاريخ فتح؟
تركز خطة السلام التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إعادة تشكيل مستقبل غزة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، بحسب الكاتب الأميركي ديفيد إغناتيوس، الذي نقل في مقاله بصحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين مطلعين على تفاصيل الخطة أن الوثيقة تهدف إلى تقديم مسار عملي قابل للتنفيذ، يأخذ في الاعتبار التوازنات الإقليمية المعقدة، ويتيح للفلسطينيين فرصة إعادة بناء مؤسساتهم.
وبحسب المسؤولين، فإن الخطة تقترح آلية دولية لإدارة مرحلة انتقالية في غزة، تشمل إشرافا أمنيا متدرجا وضمانات لإعادة الإعمار بتمويل عربي ودولي، ضمن مجلس سلام سيشرف على "حكم انتقالي مؤقت للجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية" تُدير الخدمات العامة والبلديات. وستتولى قوة دولية لتحقيق الاستقرار تدريب ودعم قوة شرطة فلسطينية جديدة.
وأضاف إغناتيوس "أبلغني مسؤولان عربيان كبيران يوم الجمعة أن قائمة قصيرة من "التكنوقراط" الفلسطينيين جرى التدقيق في أسمائهم لتولي اللجنة الحاكمة. كما تطوعت دول منها إيطاليا وإندونيسيا وأذربيجان، بالمشاركة في "قوة الاستقرار".
وأوضح أن الخطة تضم مجموعة رقابية عربية غير رسمية، بالإضافة إلى التزام دول منفردة بالإشراف على جوانب محددة من الإصلاح الفلسطيني مثل التعليم والمالية.
أما على المستوى السياسي، فقد كشف مسؤول آخر لإغناتيوس أن الخطة تراهن على صيغة توافقية بين القوى الفلسطينية، تتضمن إصلاحات داخلية وإعادة هيكلة للسلطة المحلية في القطاع.
وأكد أن "هناك تصوراً لتقليص نفوذ الفصائل المسلحة، وإعطاء دور أكبر للمؤسسات المدنية، بما يخلق بيئة أكثر استقراراً".
وتفترض أهداف غزة الجديدة تسريحًا طوعيًا لحماس ونزع سلاحها، مدعومًا بعرض عفو لمن "يلتزمون بالتعايش السلمي ونزع سلاحهم" و"ممر آمن" للأعضاء الراغبين في مغادرة غزة.
وكان رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات قد وافق على مخرج مماثل عندما غادر بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، لكن ذلك كان مقدمة لسنوات من القتال الإسرائيلي المستمر في لبنان وظهور تهديد جديد متمثل في حزب الله، بحسب إغناتيوس.
وفي ما يتعلق بردود الفعل، قال دبلوماسي تحدث للكاتب إن "المبادرة قد تحظى بدعم عربي وإسلامي واسع، لأنها تتضمن مساهمات ملموسة من دول إقليمية في إعادة إعمار غزة، وهو ما يمنحها زخما عمليا"، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن "مدى قبول حركة حماس بالخطة سيبقى العامل الحاسم في نجاحها".
أشار مصدر آخر إلى أن "الفكرة الرئيسية هي خلق واقع جديد يدمج غزة في النظام الإقليمي بطريقة تقلل من احتمالات تجدد الصراع".
وتشمل النقاط التي ركز عليها المسؤولون ترتيبات أمنية صارمة في القطاع، إلى جانب التزام واضح من الفصائل الفلسطينية بوقف الأعمال العسكرية، مقابل التزامات إسرائيلية بفتح المعابر والسماح بتدفق المساعدات.
وأوضح أحد المصادر أن "الجانب الأمني يعد محورياً، لكنه لن ينجح من دون خطة اقتصادية تفتح الأفق لسكان غزة".
الإرادة الدولية تفتح الباب لتحول حقيقي في غزة
وتبرز أهمية هذه المبادرة، وفقاً للمصادر، في أنها تجمع بين العناصر الأمنية والسياسية والاقتصادية ضمن إطار واحد، مع إصرار على التزام جميع الأطراف بخارطة طريق واضحة. وأضاف أحد المصادر أن "التحدي الأكبر يكمن في التنفيذ، لكننا نعتقد أن الإرادة الدولية هذه المرة قد تفتح الباب أمام تحول حقيقي في غزة".
ويرى الكاتب أنه رغم افتقار إدارة ترامب إلى المعرفة التقنية، بعد أن طردت العديد من الخبراء من مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، غير أنها حظيت بمساعدة شخصيتين لهما علاقات واسعة: جاريد كوشنر، صهر ترامب ومهندس إتفاقيات السلام، وتوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق الذي جعل السلام الإسرائيلي الفلسطيني محور جهود التعافي من النهاية الكارثية لولايته.
وقد ينتهي الأمر بترامب رئيسًا لمجلس السلام، لكن من المرجح أن يكون بلير هو الرئيس التنفيذي
وختم إغناتيوس تقريره بالقول "بينما لا تزال تفاصيل كثيرة بحاجة إلى مناقشة، يبقى السؤال المطروح ما إذا كانت حماس والفصائل الأخرى ستنخرط في هذه العملية، وما إذا كانت الخطة ستتمكن فعلا من إنهاء سنوات من الصراع وفتح صفحة جديدة في مستقبل غزة".