المراوغة انتهت.. كيف خسر نتنياهو "مهارته" أمام ترامب؟
منذ عودته إلى الحكم قبل أكثر من عقدين، لم يواجه بنيامين نتنياهو رئيساً أميركياً لم يعرف كيف يلتفّ عليه. فقد خاض معارك دبلوماسية قاسية مع بيل كلينتون، نجح من خلالها في إبطاء مسار أوسلو حتى تجمّد تماماً، وتحدّى باراك أوباما بتوسيع الاستيطان رغم اعتراضات البيت الأبيض، كما تجاهل جو بايدن وهو يواصل حربه في غزة غير آبه بتحذيراته المتكرّرة. كان يعرف متى يساوم ومتى يتحدّى، ومتى يربك واشنطن بالمزايدات الداخلية.
لكنّ حساباته اصطدمت هذه المرة بالرئيس دونالد ترامب، الذي تغنّى به يوماً واصفاً إيّاه بأنه "أعظم صديق لإسرائيل في البيت الأبيض". فبحسب
التقارير، لا يعتبر ترامب رئيساً تقليدياً يمكن كسبه بالمجاملات أو الضغط السياسي، بل رجلاً يرى العالم بمنطق الصفقات، لا التحالفات، ويقيس المواقف بمقدار ما تخدم مصالحه الشخصية.
ومعه، اكتشف نتنياهو أنّ مهارته القديمة في المناورة لم تعد مجدية، وأنّ قواعد اللعبة تغيّرت: فحين يقول ترامب "لا"، لا مجال لأن يقول أحد "نعم".
واجه نتنياهو ضغوطاً أميركية غير مسبوقة مع سعي ترامب لإنهاء الحرب في غزة بأسرع وقت، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس. ويأتي خلف هذا الهدف المعلن طموح شخصي لا يقلّ وضوحاً، وهو الفوز بجائزة نوبل للسلام، بحسب صحيفة
دير شبيغل الألمانية.
حدّد ترامب مهلة زمنية واضحة لإنجاز الصفقة، إذ أراد أن تتزامن مع الذكرى الثانية لهجوم السابع من أكتوبر، وأن تُعلن قبل موعد جائزة نوبل. لتحقيق ذلك، كان لا بدّ من الضغط على الجانب الإسرائيلي لتقديم تنازلات، وهو ما وضع نتنياهو في موقفٍ حرج أمام ائتلافه اليميني المتشدّد.
لكنّ نتنياهو لم يستسلم في البداية، إذ حاول كعادته المناورة واقترح أن يتضمّن الاتفاق بنداً يتيح لإسرائيل استئناف القتال إذا خرقت حماس أيّ شرط من شروط الهدنة. غير أنّ الرد الأميركي جاء صارماً: "توقفوا عن البحث عن الثغرات"، وفق ما نقلته صحيفة
فاينانشال تايمز. ووفق مصادر مطلعة، قدّم ترامب بنفسه ضماناً شخصياً للدول العربية بأنّ إسرائيل لن تستأنف الحرب، مؤكداً أن كلمته هي الضمان.
وتعد هذه التطورات تحوّلاً جذرياً في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، بحيث تعتبر هذه المرة الأولى التي يُفرَض على إسرائيل وقف الحرب رغم رغبة رئيس وزرائها في مواصلتها. ولم يعد بوسع نتنياهو الاعتماد على مناوراته التقليدية أو على دعم الكونغرس لتعديل الموقف الأميركي.
كانت قطر حاضرة في خلفية المشهد، إذ تعد الدولة التي تستضيف المكتب السياسي لحماس وتلعب دور الوسيط منذ عامين. لكنّ الغارة الإسرائيلية التي استهدفت الدوحة في التاسع من سبتمبر بينما كانت حماس تدرس عرض هدنة قدّمه المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، أثارت غضب ترامب الذي اعتبرها "إهانة شخصية".
حين وصل نتنياهو إلى البيت الأبيض في 29 سبتمبر، بعد أن كان ترامب قد عرض خطته على القادة العرب، واجهه الرئيس الأميركي بمشهدٍ غير مسبوق: سلّمه سماعة الهاتف ليقدّم اعتذاراً مباشراً لرئيس وزراء قطر. بالنسبة لترامب، كانت تلك لحظة استعادة الهيبة الأميركية. أما لنتنياهو، فكانت لحظة إذلال سياسي، بحسب وصف فاينانشال تايمز.
وفي الوقت الذي حاول فيه الوفد الإسرائيلي تعديل بنود الخطة، كان فريق تقني قطري في غرفة مجاورة داخل البيت الأبيض يراجع النص كلمةً بكلمة. قال أحد المشاركين في التحرير: "لم يكن بالإمكان تغيير أكثر من بضع كلمات".
نهاية القدرة على المناورة
عندما عاد نتنياهو إلى إسرائيل بعد ظهوره إلى جانب ترامب في البيت الأبيض، حاول أن يقدّم الخطة كإنجاز لإسرائيل. وصفها بأنها "صفقة خذها أو اتركها" تُتيح لإسرائيل القضاء على حماس إذا رفضت الحركة بنودها.
لكنّ المفاجأة جاءت بعد أيام، حين وافقت حماس جزئياً على جزء من المبادرة، معلنةً استعدادها لإطلاق الرهائن خلال 72 ساعة.
ترامب تلقّف الإعلان فوراً وأمر إسرائيل بوقف العمليات العسكرية "فوراً" بينما تستمر المفاوضات.
حاول نتنياهو إقناعه بأنّ ردّ حماس مجرد مناورة، لكنّ ترامب قاطعه غاضباً: "لماذا أنت سلبيّ إلى هذا الحد؟ هذا انتصار… تقبّله"، وفق ما نقله موقع
أكسيوس. وبعد أيام، قال للصحافة الإسرائيلية: "لقد وافق بسرعة، لم يكن أمامه خيار، ومعي عليه أن يوافق".
في تلك اللحظة، أدرك نتنياهو أنّ أسلوبه القديم في إدارة واشنطن لم يعد صالحاً. فترامب ليس رئيساً يبحث عن رضا إسرائيل، بل زعيمٌ يفرض رؤيته حتى على أقرب حلفائه، بحسب الصحيفة.