لماذا الآن؟.. سر توقيت اتفاق إنهاء حرب غزة
في غزة، لم يضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في البداية، أي قيود تذكر على الهجوم الإسرائيلي، متحدياً المطالب الدولية بوقف إطلاق النار، ثم غير مساره فجأة.
السؤال الذي كان يتردد في أجواء الاحتفالات في إسرائيل هو: لماذا الآن؟ لماذا استغرق الأمر 736 يوماً؟
هذا السؤال كان يختلط مع الفرح والاحتفال بين مئات الآلاف من الأشخاص الذين احتشدوا في ساحة الرهائن، لمشاهدة الإفراج عن الـ 20 رهينة الذين يُعتقد أنهم ما زالوا على قيد الحياة، وربما نهاية حرب وحشية دمرت غزة، وتركت إسرائيل معزولة أكثر من أي وقت مضى، وفق تقرير
لصحيفة "نيويورك تايمز".
لكن السؤال الأكبر ظل قائماً: هل كان من الممكن إتمام هذه الصفقة في وقت أبكر، عندما كان عدد أكبر من الرهائن على قيد الحياة، وقبل أن يسقط عشرات الآلاف من الفلسطينيين؟
كان يمكن أن تنتهي قبل عام
هذا السؤال كان وراء الهتافات الساخطة التي انطلقت عندما ذكر المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف اسم نتنياهو. وحاول ويتكوف الدفاع عن رئيس الوزراء قائلاً: "كنت في الخطوط الأمامية مع رئيس الوزراء ورأيت كيف كان يسعى إلى مستقبل أكثر أماناً وقوة للشعب اليهودي"، لكن هذا الدفاع قوبل بهتافات شاجبة أكثر.
قد يجادل المؤرخون لسنوات فيما إذا كانت حرب إسرائيل وحماس يمكن أن تنتهي قبل عام، حينما قتل الجيش الإسرائيلي يحيى السنوار، زعيم حماس ومخطط هجوم 7 أكتوبر 2023، أو فيما إذا كانت إسرائيل وحماس قد فوتتا فرصة لوقف إطلاق النار في عهد الرئيس جو بايدن وفريقه قبل تولي ترامب الرئاسة.
وعلى الرغم من مشاركة ويتكوف في صفقة يناير، فإنها لم تثبت فعاليتها، وفي بداية فترة ترامب، استؤنفت الحرب، جالبة المزيد من الموت والمعاناة.
تغييرات على الأرض فرضت "الاتفاق"؟
شهدت إسرائيل تغييرات لصالحها في العام الجديد. وفاة السنوار أوقعت حماس في أزمة قيادية، وزاد الضغط العسكري الإسرائيلي مع نفاد مخزون حماس من الذخيرة.
يقول بريت ماكغورك، الذي قاد مفاوضات في المنطقة خلال إدارة جورج بوش وكان منسق بايدن للشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "الحرب مع إيران التي استمرت 12 يوماً حركت الأمور كثيراً". فجأة، أدركت حماس أن الدولة التي كانت تمولها وتزودها بالسلاح أصبحت ضعيفة.
العديد من العوامل دفعت حماس لإعادة النظر في قيمة استمرار احتجاز الرهائن، وفق التقرير.
بحسب المحللين الفلسطينيين، في البداية كانت حماس تعتقد أن احتجاز الرهائن سيمنع إسرائيل من شن حرب كبيرة، لكن المنطق تغير: بدلاً من حماية غزة من الهجوم، كان وجود الرهائن يعطي نتنياهو ذريعة للمضي قدماً.
إضافة إلى العوامل الميدانية والعسكرية يشتهر ترامب بقصر صبره تجاه الدبلوماسية التقليدية. بينما يعمل قسم الخارجية على خرائط وقنوات دبلوماسية دقيقة، يتفاوض ترامب بأسلوب الصفقات: خطوط عريضة وتفاصيل تُترك للآخرين.
ومنذ توليه الرئاسة، استفاد نتنياهو من نبرة ترامب المتغيرة، حيث استقبله في البيت الأبيض أربع مرات، ودعا لإلغاء محاكمته بتهم الفساد، وعارض الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأمر بضرب المنشآت النووية الإيرانية.
على صعيد غزة، لم يضع ترامب أي قيود على الهجوم الإسرائيلي متحدياً المطالب الدولية بوقف إطلاق النار.
كما أسعد ترامب اليمين الإسرائيلي المتشدد بخططه الغريبة لتغيير شكل غزة، بما في ذلك تصور لإنشاء منتجع فاخر على الساحل، وصور اصطناعية له وهو ونتنياهو يحتسيان القهوة وسط هذا المشروع.
لكن محاولة إسرائيل اغتيال مفاوضي حماس في قطر، أغضب ترامب وغيرت رأيه تجاه الحرب، مما أتاح للولايات المتحدة تحريك خطة ترامب المكونة من 20 نقطة.
وعندما دعا ترامب نتنياهو إلى البيت الأبيض في سبتمبر بعد افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي في موقف لا يتيح له المقاومة، واضطر للاتصال بأمير قطر وقراءة اعتذار، وسط تصوير فوتوغرافي رسمي من البيت الأبيض.
الرسالة كانت واضحة: نتنياهو في عالم جديد عليه الالتزام ببعض مطالب الولايات المتحدة.
ثم ضغط ترامب على نتنياهو لتوقيع خطة النقاط العشرين، التي تضمنت وقف إطلاق النار وإنشاء حكومة مؤقتة "تقنية" في غزة بدعم قوة دولية، رغم أنها لم تلب كل مطالب نتنياهو القصوى. ومع ذلك، وافق على الوثيقة مدركاً المخاطر المحتملة للرفض.
وافقت حماس جزئياً على الصفقة، بالتراضي على إطلاق الرهائن مقابل تبادل الأسرى، لكنها طالبت بمزيد من المفاوضات حول الخطوات الحرجة التالية. لكن ترامب تجاهل "الاستثناءات" وأخذ الموافقة الجزئية كقبول كامل.