سياسة

غزة بعد الحرب.. هدنة بلا سلام ونصر بلا منتصر

نشر
blinx
في ختام حرب وُصفت بأنها الأشد فتكا في تاريخ غزة الحديث، لم يخرج أحد منتصرا، إذ خيم الدمار والدم على المشهد السياسي والعسكري معا، ووجد الفلسطينيون أنفسهم أمام واقع لا يحتمل.
بحسب ما أوردته وكالة أسوشييتد برس، فإنّ غالبية الفلسطينيين باتوا ينظرون إلى الحرب على أنّها مأساة إنسانية مشتركة، وليست معركة فيها غالب ومغلوب، وهي رؤية تعبّر عن تحوّل عميق في المزاج العام بعد أن تلاشت شعارات النصر الكاسح وبقيت الأنقاض شاهدة على ثمن باهظ دفعه الجميع.
أما بالنسبة لإسرائيل، التي خرجت عسكرياً على قدميها، فهي تواجه عزلة سياسية غير مسبوقة كما أشار تقرير نشره موقع Pearls and Irritations، فيما وجد المجتمع الدولي نفسه أمام تسوية ناقصة، لا ترضي أحداً ولا تحقق سلاماً دائماً.
وكما كتب تقرير إل باييس الإسباني، فإنّ مبادرة ترامب للتهدئة كشفت عن شبكة مصالح دولية معقدة أكثر مما أفرزت منتصراً حقيقياً.

الحرب ليست بطولة

تُظهر نتائج استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للرأي العام ونشرته أسوشييتد برس أنّ 71.1٪ من سكان غزة يرون أنه "لا يوجد منتصر في الحرب" مقابل نسب هامشية اعتقدت أن إسرائيل أو حماس حققت مكاسب.
هذه الأرقام تعبّر عن تحول نوعي في المزاج العام، إذ باتت الغالبية تعتبر الحرب عبئاً إنسانياً واقتصادياً هائلاً. وأكد مدير المركز نبيل كوكالي أن الفلسطينيين باتوا يميلون إلى الواقعية السياسية بعد أن لمسوا ثمن الصراع من بيوتهم المدمرة ومعاناتهم اليومية.
ويُظهر الاستطلاع أيضاً أنّ أولويات السكان تغيّرت: 41.5٪ يريدون إعادة الإعمار، و20.3٪ يطالبون بمساعدات إنسانية، فيما يرى 13٪ أن المصالحة الوطنية أولوية مطلقة.

إسرائيل خارج دائرة النصر

قد تبدو إسرائيل، كما كتب الصحفي جاك ووترفورد في موقع Pearls and Irritations، الدولة التي "خرجت واقفة على قدميها" بعد الحرب، لكنها خسرت أهم ما تملكه: شرعيتها السياسية في العالم.
فبينما موّلت واشنطن معظم العمليات العسكرية، وجّه الرأي العام العالمي انتقادات حادة لإسرائيل بسبب القصف العنيف والحصار والدمار واسع النطاق.
في نفس الوقت، وجدت إسرائيل، التي كانت تصرّ على الاستمرار في العمليات بحجة الدفاع عن النفس، نفسها معزولة دبلوماسياً، بعدما ربطت عواصم غربية كثيرة استمرار العلاقات المستقبلية مع ضرورة تحقيق تقدّم ملموس في المسار السياسي.
وبحسب التقرير ذاته، فإن كل ضربة جوية زادت من حجم معارضي حكومة نتنياهو، ليس في العالم فقط، بل داخل إسرائيل نفسها. وهكذا، لم تعد معادلة القوة كافية لترسيخ النصر، بل تحوّلت إلى عبء أخلاقي وسياسي.

تسوية لا تُرضي أحداً… وانتصار للضرورة

أشار تقرير صحيفة إل باييس إلى أن خطة ترامب لوقف الحرب لم تُنتج نصراً كاملاً لأي طرف، بل وفّرت مخرجاً اضطرارياً للجميع: حكومة إسرائيل تتفادى مزيداً من الضغط الدولي، حماس تتجنّب الانهيار الكامل، والدول الكبرى تحافظ على الحد الأدنى من الاستقرار الإقليمي.
لكن هذه التسوية لا تبني سلاماً، بل تعلّق الحرب في الهواء. فهي قائمة على "استسلامٍ من دون تسوية" كما وصفها التقرير الإسباني، إذ تطلب من حماس تسليم السلاح والانسحاب من الحكم مقابل وعد بوقف النار، بينما تبقي لإسرائيل حرية المناورة من دون التزامات حقيقية بحقوق الفلسطينيين.
في هذا الفراغ السياسي، لا يشعر أحد بأنه انتصر. فالمجتمع الدولي يدرك هشاشة التهدئة، وإسرائيل تخشى الانفجار من جديد، وحماس فقدت زمام المبادرة، أما الفلسطينيون فيرون أنفسهم في قلب المأساة من دون قوة تحميهم ولا سلطة تفاوض باسمهم بفعالية.

سلام مؤجل وحرب خاسرة للجميع

في نهاية هذه الحرب، لا تتنازع الأطراف على من يرفع راية النصر، بل على من يستطيع أن يتفادى الانهيار الكامل. فـ"لا منتصر في الحرب"، كما جاء في استطلاع الرأي، هي خلاصة لا تعني فقط الفلسطينيين، بل تعني أيضاً إسرائيل التي خسرت رصيدها الأخلاقي والسياسي.
انتهت الحرب، التي كانت تهدف إلى إعادة رسم التوازنات في المنطقة، بكشف هشاشتها وبأنها حربٌ خاسرة للجميع، ومجتمعٌ مكلوم، وسلامٌ مؤجل لا يزال ينتظر من يجرؤ على صياغته من تحت الركام.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة