جامعة هداريم.. كيف تُخرّج إسرائيل خصومها من داخل السجون؟
يُطلق الأسرى الفلسطينيون على بعض السجون الإسرائيلية اسم "جامعة هداريم" في إشارة إلى سجن شهير تحوّل مع الوقت إلى فضاء مغلق تلتقي فيه التيارات السياسية والفصائل المختلفة، وتتشكل داخله شبكات علاقات وتنظيم وأفكار.
هذا المفهوم الذي شاع في السنوات الأخيرة، يعكس ظاهرة موثّقة في تقارير صحفية غربية، من بينها تقرير موسع نشرته صحيفة
فاينانشال تايمز، أشار إلى أن هذه السجون تحولت إلى بيئة مغلقة لإعادة التشكل السياسي والتنظيمي.
هذا الوصف لا يأتي من فراغ، إذ تؤكد الصحيفة البريطانية أنّ السجون لعبت دوراً غير مباشر في إعداد عدد من القيادات الفلسطينية التي برزت لاحقاً في المشهد السياسي والعسكري، مثل يحيى السنوار وأحمد ياسين.
وتقول أماني سراحنة من نادي الأسير الفلسطيني: "من يضحّي من أجل الوطن يصبح بطلاً قومياً، وبعد خروجه من السجن يصبح جزءاً من المشهد السياسي القيادي"، وفق ما نقلته فاينانشال تايمز.
صفقات التبادل.. تاريخ طويل يخلق حافزاً استثنائياً
بحسب فاينانشال تايمز، ومنذ عقد الثمانينيات، تبادلت إسرائيل آلاف السجناء مقابل عدد ضئيل من الرهائن. وتُقدّر تلك العمليات بأكثر من 8500 سجين مقابل أقل من 20 رهينة على قيد الحياة، ما رسّخ آلية ضغط استراتيجية تدفع الفصائل إلى اختطاف إسرائيليين للحصول على إفراجات واسعة.
الصفقة الأخيرة أخرجت نحو 4000 سجين إلى غزة، بينهم حوالى 250 من المصنفين "ثقيلين" أمنياً.
وقد وصف مسؤول إسرائيلي سابق هذه التبادلات بأنها "تقليد ضرورة"، إذ يصعب على تل أبيب الاستغناء عنها، ما يرفع من قيمة السجين في ميزان القوة ويمنح هذه العمليات بعداً سياسياً يتجاوز بعدها الإنساني.
"جامعة هداريم".. كيف تُصنع القيادات داخل الزنازين؟
بحسب تقرير فاينانشال تايمز، أصبحت السجون الإسرائيلية بيئة يتفاعل فيها المعتقلون من مختلف الفصائل الفلسطينية، مثل حماس وفتح والجبهة الشعبية وحركة الجهاد، ويتبادلون الأفكار والخبرات العسكرية والسياسية في بيئة مغلقة. هذا التفاعل الداخلي يجعل من السجن مساحة محتملة لتشكّل شبكات قيادية جديدة.
مرّت شخصيات بارزة مثل أحمد ياسين ويحيى السنوار وزكريا الزبيدي بهذه التجربة، ما أعطاها وزناً سياسياً واجتماعياً بعد الإفراج.
كما تشير الصحيفة إلى أنّ ما بعد 7 أكتوبر 2023 مثّل نقطة تحول حادة، إذ تضاعفت الاعتقالات وتزايدت الانتهاكات، وسُجّلت وفاة 75 أسيراً منذ ذلك التاريخ، ما زاد من حساسية الملف سياسياً وأمنياً في الداخل الإسرائيلي كما في الساحة الفلسطينية.
وجوه ونماذج.. من عبد الناصر عيسى إلى يحيى السنوار
من أبرز الأمثلة التي استند إليها تقرير فاينانشال تايمز حالة عبد الناصر عيسى. اعتُقل عام 1995 بتهمة قيادة جناح القسام في الضفة الغربية، وحُكم عليه بالسجن المؤبد مرتين. لكنه خرج في فبراير الماضي بعد ثلاثة عقود، في صفقة تبادل، ليعود اسمه إلى واجهة النقاش السياسي والأمني.
قال من منفاه في القاهرة إن سنوات السجن كانت "تجربة غنية" أتاحت له لقاء قادة من مختلف التيارات الفلسطينية، ما عزّز خبرته وشبكة علاقاته.
في المقابل، حذّرت أجهزة الأمن الإسرائيلية، وفق ما نقلته فاينانشال تايمز، من خطره "الهادئ" خارج السجون، إذ قد يتحول إلى عنصر دعم في شبكات تمويل وتدريب.
ولم تكن تجربته استثناءً؛ إذ أعقب الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين عام 1985 صعوده إلى قيادة حماس، كما قاد إطلاق سراح يحيى السنوار عام 2011 إلى صعوده لاحقاً كأحد أبرز وجوه الحركة، قبل أن يصبح العقل المدبر لهجوم 7 أكتوبر 2023.
كما خلصت فاينانشال تايمز إلى أن تظل السجون الإسرائيلية تظل مكوناً أساسياً في معادلة الصراع، إذ تساهم دينامياتها الداخلية، بفعل التفاعل بين السجناء وسياسات التبادل، في إعادة تشكيل الخارطة السياسية والأمنية الفلسطينية على المدى الطويل.