سياسة

"إباحية الفقر بالـAI".. استغلال المعاناة الإنسانية في صورة

نشر
blinx
في زمن لم تعد فيه الصورة تلتقط الواقع بل تصنعه، تتسلّل تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى حملات المساعدات الإنسانية، وهي واحدة من أكثر المجالات حساسية في العالم.
لم تعد هذه الحملات تكتفي بنقل معاناة الفقراء كما هي، بل بدأت تصوغ معاناة افتراضية "محكمة الإخراج"، تثير العاطفة وتحفز التبرعات، لكنها في الوقت نفسه تُسهم في إعادة إنتاج صور نمطية مُهينة وتُحوّل الألم الإنساني إلى سلعة رقمية تُباع وتُشترى في منصّات الصور التجارية.

لماذا تلجأ المنظمات الإنسانية إلى الصور المصطنعة؟

تزايد اعتماد المنظمات الإنسانية على الصور المولّدة بالذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، وسط بيئة مالية ضاغطة ومخاوف متصاعدة من قضايا الخصوصية والموافقة القانونية.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان، جمع الباحث أرسيني ألينيتشيف من معهد الطب الاستوائي في أنتويرب أكثر من 100 صورة من هذا النوع استخدمتها منظمات أو أفراد في حملات على وسائل التواصل الاجتماعي لمكافحة الجوع أو العنف الجنسي.
تُظهر هذه الصور مشاهد مصمّمة لإحداث صدمة عاطفية. كأطفال في مياه موحلة، فتاة أفريقية في فستان زفاف ودمعة على خدها، وبيئات كئيبة تُجسّد الفقر بأبشع صوره.
ووفقاً لمقال تحليلي نُشر في مجلة ذا لانست غلوبال هيلث، فإن هذه الصور ليست مجرد وسيلة ترويجية بل تمثل ما يسميه الباحثون "إباحية الفقر 2.0"، أي استخدام تقنيات رقمية لإعادة إنتاج خطاب إنساني مُختزل ومُفعم بالرمزية الاستعمارية.
ويرى ألينيتشيف أن انتشار هذه الصور مرتبط أيضاً بعوامل مالية، إذ أصبحت الصور الاصطناعية أرخص بكثير من التصوير الفوتوغرافي الحقيقي ولا تتطلب الحصول على موافقات معقّدة، خاصة في ظل تقليص التمويل الأميركي المخصّص للمنظمات الإنسانية.
وقال الباحث في تصريحه للصحيفة: "من الواضح أن العديد من المنظمات بدأت تعتمد على الصور الاصطناعية لأنها رخيصة ولا تحتاج إلى إجراءات قانونية معقدة".

كيف تُغذّي هذه الصور الصورَ النمطية؟

لا يقتصر الأمر على الكلفة المنخفضة، بل يتجاوز إلى تأثير عميق على الخطاب البصري الإنساني. فقد ذكرت الغارديان أن عشرات الصور من هذا النوع باتت معروضة على مواقع الصور التجارية الكبرى مثل Adobe Stock وFreepik عند البحث عن كلمة "poverty".
وتحمل العديد من هذه الصور تسميات مباشرة مثل: "طفل فوتوغرافي واقعي في مخيم لاجئين" أو "أطفال آسيويون يسبحون في نهر ملوث" أو "متطوّع أبيض يقدّم استشارة طبية لأطفال سود في قرية إفريقية"، وهي صور تباع بتراخيص تصل إلى نحو 60 جنيهاً إسترلينياً.
هذه المشاهد ليست بريئة، فهي تكرّس صوراً استعمارية عن إفريقيا وآسيا، وتصوّر الفقر وكأنه قدرٌ أبدي يُلصق بالبشرة السمراء والمجتمعات المهمشة.
وقال ألينيتشيف للصحيفة إن "هذه الصور عنصرية للغاية، لا ينبغي أن تُنشر أصلاً، لأنها تجسّد أسوأ الصور النمطية عن إفريقيا أو الهند أو غيرهما".
أما المدير التنفيذي لمنصة Freepik خواكين أبيلا فقد حاول التنصّل من المسؤولية، قائلاً إن مسؤولية استخدام هذه الصور تقع على عاتق المستخدمين لا المنصات، بحجة أن هذه الصور يبتكرها مجتمع المستخدمين العالمي ويحق لهم الحصول على عوائد مالية عند بيعها.

تداعيات أخلاقية وصورة عالمية مشوّهة

يحذر مقال ذا لانست غلوبال هيلث من أن توسّع هذه الممارسات يهدد بتقويض الجهود الرامية إلى تقديم صور أكثر إنسانية وكرامة للمجتمعات المتأثرة بالأزمات. فبينما تروّج المنظمات لفكرة حماية الخصوصية باستخدام صور افتراضية، فإنها في الواقع تعيد تدوير خطاب بصري عنصري عمره عقود، وتُعيد إنتاج "النظرة الغربية" إلى الجنوب العالمي.
كما يخشى مختصون أن هذه الصور ستتسرّب إلى الفضاء الرقمي الأوسع، وتُستخدم في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المقبلة، ما سيُرسّخ تلك الصور النمطية في الأجيال القادمة من التقنية.
ووفقاً لما ورد في ذا لانست، فإن غياب قواعد تنظيمية ملزمة يفتح الباب أمام انتشار أوسع لـ "إباحية الفقر الرقمية"، بما تحمله من تبسيط وإساءة وتشويه.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة