سياسة

شبكة هارموني.. هكذا بنت روسيا شبكتها التجسسية بتقنيات غربية

نشر
blinx
كشفت وثائق تحقيق صحفي دولي عن قيام روسيا ببناء شبكة تجسّس بحرية معقّدة لحماية مواقعها النووية الحساسة في المنطقة القطبية، مستخدمة في ذلك معدات وتقنيات مصدرها دول غربية.
المفارقة أنّ هذه الشبكة، التي تستهدف مراقبة تحرّكات قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تم تشييدها في جزء كبير منها عبر توريدات شرعية مرّت من خلال شركات خاصة ومراكز تصدير أوروبية، أميركية وآسيوية، بحسب تقرير نشرته صحيفة لوموند.

شبكة تجسس تحت البحر

تُعرف المنظومة الروسية باسم مشروع "هارموني"، وهي شبكة مراقبة واستخبارات بحرية تتكوّن من آلاف الكيلومترات من الكابلات والأجهزة الصوتية وأجهزة الاستشعار عالية الدقة، ممتدة في أعماق بحر بارنتس عند حافة المحيط المتجمد الشمالي.
صممت هذه الشبكة أساسا لاكتشاف تحركات الغواصات التابعة للناتو وحماية منصات الردع النووي الروسية في المنطقة.
ورغم العقوبات الغربية المتصاعدة منذ ضمّ القرم عام 2014، استطاعت موسكو الحصول على تقنيات ذات استخدام مزدوج، مدني–عسكري، من أوروبا والولايات المتحدة واليابان، عبر شبكة معقّدة من الشركات الوهمية والموردين غير المباشرين.

معدات غربية لبناء شبكة روسية

يُظهر التقرير، الذي استند إلى وثائق مسرّبة من ملف Cyprus Confidential، أنّ المعدات المستخدمة في بناء "هارموني" شملت:
  • سونارات أميركية عالية الدقة قادرة على رسم خرائط تفصيلية لقاع البحر وتعقّب الغواصات
  • روبوتات بحرية بريطانية قادرة على الغوص لآلاف الأمتار والعمل بشكل مستقل
  • أجهزة تموضع ألمانية وأنظمة تسجيل صوتي فرنسية
  • كابلات بصرية ألمانية ويابانية بطول آلاف الكيلومترات لنقل البيانات في الزمن الحقيقي

أسطول تحت غطاء مدني

بحسب التحقيق، تم تركيب الشبكة عبر أسطول مكوّن من تسعة سفن اشترتها موسكو من شركات أوروبية. هذه السفن كانت تُسجّل على أنها لأغراض "بحثية" أو "مدنية" لكنها في الواقع كانت تنفّذ مهاماً عسكرية سرية، على غرار ما يُعرف بـ "الأسطول الشبح" الذي تستخدمه روسيا للالتفاف على العقوبات النفطية.
مكّن تحليل تحركات هذه السفن عبر بيانات GPS بين 2012 و2024 من تحديد مواقع انتشار الشبكة، التي تتركّز في موانئ استراتيجية مثل مورمانسك، الأرخبيل النووي في "نوفايا زيمليا"، وأراضي ألكسندرا حيث توجد منشآت عسكرية روسية.

شركات واجهة وشبكات ظل

في قلب العملية، برزت شركة Mostrello Commercial Limited المسجّلة في قبرص، والتي تولّت شراء المعدات ونقلها سرياً إلى مورمانسك.
استخدمت الشركة هيكلاً معقّداً من شركات الواجهة في ملاذات ضريبية لتغطية المسار الحقيقي للمشتريات.
وقد تبيّن أن رجل الأعمال الروسي أليكسي ستريلشينكو، القريب من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو الرأس المدبّر لهذه الشبكة.
وقد أبلغت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية نظيرتها الألمانية عن نشاط هذه الشبكة عام 2021، ما أدّى إلى فتح تحقيق قضائي في فرانكفورت انتهى بإدانات قضائية عام 2025.

أوروبا في قلب المفارقة

رغم القوانين الأوروبية التي تنظّم تصدير المعدات ذات الاستخدام المزدوج، تمكّنت موسكو من الحصول على معدات بقيمة تتجاوز 50 مليون يورو خلال العقد الماضي.
شاركت شركات من فرنسا، ألمانيا، السويد، اليابان، الولايات المتحدة والنرويج في عمليات بيع يقال أنها تمت في إطار قانوني، من دون معرفة مصير المعدات النهائي.
كانت بعض الشركات، مثل NSW الألمانية، على علم بأن المشتري النهائي هو روسيا، فيما وقعت شركات أخرى ضحية لنظام روسي محكم لإخفاء الهوية الحقيقية للمستفيدين.
تعكس هذه الثغرات، كما وصفها أحد الخبراء الأوروبيين، "لعبة القط والفأر بين أجهزة الرقابة الأوروبية وشبكات الاستخبارات الروسية".
كما تكشف هذه القضية عن مدى هشاشة منظومة الرقابة الأوروبية في تصدير التكنولوجيا الحساسة. فالمشروع الاستخباري الروسي لم يكن ثمرة اختراق مباشر، بل نتيجة استغلال ممنهج لثغرات قانونية ومالية في الأسواق الغربية.
وهكذا بنت موسكو شبكتها الاستخبارية باستخدام أدوات الغرب نفسه، لتتحول هذه التقنيات إلى جزء من منظومة الردع النووي الروسية في قلب القطب الشمالي.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة