سياسة

زهران ممداني.. قصة نجاح أو "صعود مدبر"؟

نشر
blinx
نشرت قناة فوكس نيوز، المقربة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تقريرا يزعم أن المرشح الديمقراطي لمنصب عمدة مدينة نيويورك زهران ممداني، معتبرة صعوده السياسي جاء نتيجة آلة منظمة تضم أموالًا من مؤسسات كبرى وأئمة مساجد وصفتهم بالمتشددين، ومنظمات اشتراكية وديمقراطية.
واتهمت القناة ممداني، في تحقيق نشرته، بأنه لم يصل إلى هذا المستوى بالصدفة، بل عبر شبكة معقدة من التمويل، والتحالفات الدينية والسياسية، وأن مسيرته كانت مصممة بعناية لدفعه نحو رئاسة مدينة نيويورك.
وفي الـ٤ من نوفمبر سيتنافس ٣ مرشّحين، لنيل أصوات سكّان مدينة نيويورك، لكنّ ممداني، عضو المجلس البلدي البالغ من العمر 33 عاما والذي يقدّم نفسه على أنّه "اشتراكي"، هو من يتصدّر استطلاعات الرأي وبفارق كبير عن بقية منافسيه.
وتعهد ممداني، الجمعة، بمواصلة التعبير عن هويته الإسلامية، وذلك ردا على الهجمات المتزايدة التي شنها الحاكم السابق أندرو كومو ووكلاؤه والتي وصفها بأنها "عنصرية ولا أساس لها من الصحة".
وتحدث ممداني، وهو محاط برجال الدين خارج مسجد في برونكس، بعبارات عاطفية عن "الإهانات" التي واجهها السكان المسلمون في المدينة منذ فترة طويلة.

تحقيق بعد الإعلان المفاجئ

وجاء التحقيق بعد ساعات من إطلاق ممداني إعلانا تلفزيونيا مدفوعا على شاشة فوكس نيوز، التي لطالما انتقدت أجندته السياسية.
في الإعلان، خاطب ممداني الجمهور قائلاً: "مرحبًا، أنا زهران ممداني الحقيقي، لست ذلك الشخص الذي يتحدثون عنه في هذه القناة". وأضاف: "لا تدعوا الضجيج يخدعكم. هذه هي حقيقتي".

أول صور لممداني؟

يبدأ تقرير القناة الأميركية بالعودة إلى سبتمبر عام 2017، حين كانت الناشطة الفلسطينية- الأميركية ليندا صرصور، التي اشتهرت في معارضة ترامب، تواجه تصاعدًا في الانتقادات بسبب تصريحاتها التي اعتبرت معادية للسامية وتبنّيها مواقف متطرفة.
وتقول القناة: "ظهرت صرصور مبتسمة في صورة التُقطت على أحد أرصفة المدينة، رافعة قبضتها في الهواء إلى جانب متطوعين ضمن حملة المرشح لمجلس المدينة خضر اليتيم ضمن ترويجه لحملته الانتخابية التي خسرها لاحقا، غير أنّ أحد الوجوه الشابة في الصورة كان زهران ممداني، الناشط السياسي الصاعد حينها.
وتعتبر أن تلك الصورة كانت الشرارة الأولى لمشروع سياسي منظم بدقة، استطاع خلال أقلّ من عقد أن يدفع بممداني إلى عتبة الترشح لقيادة أكبر مدن الولايات المتحدة.

صعود مدروس بدقة

ومنذ فوزه المفاجئ في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في يونيو، أصبح ممداني، النائب في برلمان ولاية نيويورك عن حي كوينز الشعبي، الأوفر حظا للفوز.
حصل ممداني على الجنسية الأميركية في العام 2018 وهو ابن عائلة مثقفين من الشتات الهندي ومسلم واشتراكي ومناهض للرئيس الأميركي ويحمل خصوصا على سياسته على صعيد الاقتصاد والهجرة.
في هذه المدينة المترامية الأطراف البالغ عدد سكانها 8,5 ملايين نسمة وهي من الأغلى في العالم، ركز ممداني حملته على وعد بجعل المدينة في متناول كل الفئات مع توفير مساكن بإيجارات مضبوطة بأعداد أكبر وحافلات ودور حضانة مجانية.
ويرصد تحقيق فوكس صعود ممداني على اعتبار أنه لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة هندسة سياسية دقيقة. فقاعدة بيانات تضم 110 منظمة داعمة له تظهر شبكة داخلية متماسكة من مجموعات إسلامية واشتراكية، تعمل جنبًا إلى جنب مع 76 منظمة ديمقراطية واتحادات ونقابات.
ويتربع في قلب هذه المنظومة شبكتان أساسيتان: منظمة "إم باور" (MPower) التي أسستها ليندا صرصور، وشبكة "إمجيدج" (Emgage) التي تتعاون معها بشكل وثيق.
وقد تلقت كلتاهما تمويلا سخيا من الملياردير الأميركي، جورج سوروس، عبر مؤسساته الخيرية، إذ بلغ مجموع المنح المقدّمة لهما قرابة 2.5 مليون دولار خلال السنوات الأخيرة، وفقا للإقرارات الضريبية، بحسب تحقيق القناة.
ورفض كلّ من ممداني وصرصور والمنظمات الداعمة له التعليق على التحقيق.

تحالف منظمات وأموال ضخمة

تشكل المنظمتان، بحسب التحقيق، نواة صلبة تضم نحو 30 منظمة عرقية ودينية، بينها: مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (CAIR Action)، جمعية الدائرة الإسلامية في أميركا الشمالية، تحالف العمل الإسلامي، جمعية التجار اليمنيين الأميركيين، مجموعة الضغط البنغلاديشية الأميركية، ومنظمة "الآسيويون الجنوبيون الناهضون والمتحركون" (Desis Rising Up and Moving).
وتقدر الإيرادات السنوية لهذه المجموعات مجتمعة بنحو 24 مليون دولار، وقد ساهمت عبر حملات إعلامية وجولات طرق الأبواب في تعبئة الناخبين لصالح ممداني، مقدّمة له التبرعات والدعم اللوجستي والإعلامي.

ماكينة سياسية عابرة للولايات

تعمل هذه المنظومة، بحسب التحقيق، في ولايات متعددة من نيويورك إلى فرجينيا ومينيسوتا وتكساس وكاليفورنيا، حيث تتقاطع شبكات "إم باور" و"إمجيدج" مع الاشتراكيين الديمقراطيين والجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي لدعم مرشحين يتقاسمون الرؤية ذاتها.
وتضم قائمة الدعم ذاتها شخصيات مثل عبدالله حمود، رئيس بلدية ديربورن بولاية ميشيغان، الذي أثار الجدل مؤخرا بتصريحاته ضدّ قس مسيحي اعترض على تسمية شارع باسم شخص اتُهم بتمجيد حماس وحزب الله.
وتشير السجلات إلى أن "إمجيدج" تلقت 175 ألف دولار من صندوق خيري يُعرف باسم Sterling Charitable Gift Fund، الذي سبق أن داهمه مكتب التحقيقات الفيدرالي عام 2002 ضمن تحقيقات بتمويل جماعات فلسطينية مسلحة، من بينها حماس، ورغم ذلك، لم تُوجه أي تهم جنائية إلى مسؤولي الصندوق.

شبكة ممولة بملايين الدولارات

تقول المرشحة العراقية- الأميركية داليا العقيدي، عن ولاية مينيسوتا: "للمراقب العادي، يبدو صعود ممداني قصة نجاح شبابية، لكن الحقائق تُظهر شيئا آخر. فالأموال، والعلاقات، والانتماءات بين الاشتراكيين الديمقراطيين والإسلاميين، ترسم صورة مختلفة تماما".

من ناشط طلابي إلى مرشح لرئاسة نيويورك

تحقيق فوكس سلّط الضوء على بداية مسيرة ممداني السياسية عام 2012 حين أسس، أثناء دراسته في كلية بودوين بولاية مين، فرعا لمنظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين، المعروفة بمواقفها المعادية لإسرائيل، بحسب تحقيق القناة.
وفي 2017، كان يشارك في حملة خضر اليتيم تحت إشراف ليندا صرصور. وبعد عام، انضم رسميا إلى النادي الديمقراطي المسلم في نيويورك، الذي أسسته صرصور عام 2013 لتعبئة الناخبين المسلمين ودعم المرشحين التقدميين.
وسرعان ما أصبح عضوا في مجلس إدارته، مكتسبا بذلك الوصول إلى قوائم الناخبين والمتبرعين، التي شكّلت لاحقا قاعدة حملته الانتخابية.
وفي الفترة نفسها، أطلقت صرصور منظمة MPower Change غير الربحية التي جمعت نحو 2.4 مليون دولار بين عامي 2017 و2024، بينها 1.125 مليون دولار من مؤسسة سوروس و450 ألف دولار من مؤسسة ماك آرثر.
أما منظمة Emgage Action فقد وسّعت نطاقها الوطني، وتلقت تمويلا من شبكة سوروس بلغ 1.8 مليون دولار من مركز سياسات المجتمع المفتوح و1.35 مليون دولار إضافية من مؤسسة سوروس الأم.
وهكذا تشكّل نظام مالي وسياسي غير مسبوق استخدم التمويل الضخم والتقنيات الرقمية لدعم مرشحين مثل ممداني.
وفي عام 2020، فاز ممداني بمقعده الأول في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك، بدعم مباشر من صرصور، لتقدمه لاحقا بوصفه أحد أبرز وجوه الجيل الجديد من "المسلمين التقدميين".

زيارات مثيرة للجدل

تُظهر الوثائق والزيارات الميدانية، التي كشف عنها القناة، أن ممداني أقام علاقات وثيقة مع عدد من أئمة مساجد، يقول التحقيق، أنهم عبروا عن مواقف متشددة في أوقات سابقة.
ففي يناير الماضي، زار الإمام محمد البرّ من الجمعية الإسلامية في "باي ريدج"، بعد أشهر فقط من دعائه علنا بـ"إبادة إسرائيل".
كما تبرع الإمام سراج وهاج، إمام مسجد "التقوى" في بروكلين، بمبلغ ألف دولار لصندوق الوحدة والعدالة، واصفًا ممداني بأنه "ركيزة المجتمع المسلم".
وإلى جانب وهاج، يقف الإمام طالب عبد الرشيد، إمام مسجد "الأخوة الإسلامية" في هارلم، الذي دافع علنًا عن شخصيات مدانة بالإرهاب في أميركا، وفق ما يقول التحقيق.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة