تناقضات تجربة الأسرى في غزة.. قسوة يقابلها لعب ورق
على الرغم من مرور أكثر من أسبوعين على الإفراج عن آخر 20 رهينة إسرائيلية في 13 أكتوبر، لم يتحدث معظمهم علناً عن ظروف احتجازهم داخل القطاع الخاضع لسيطرة حماس وفصائل فلسطينية أخرى.
وحتى الآن، لا تزال تفاصيل ما جرى في تلك الفترة تُروى في الغالب عبر ذويهم وأصدقائهم المقرّبين، الذين نقلوا للإعلام الإسرائيلي شهادات متفرقة تكشف مزيجا متناقضا من التعاملات مع الأسرى.
فمن جهة، تتحدث الروايات عن تجويع وضرب وحبس قاس، ومن جهة أخرى، تبرز لحظات إنسانية سمحت بتواصل غير متوقع بين الأسرى وحراسهم، حسب ما ورد في تقرير نشرته صحيفة
لوموند.
وفقاً لتقارير
جيروزالم بوست، تلقى العديد من الرهائن طعاما شحيحا للغاية لا يتجاوز 300 سعرة حرارية في اليوم، عبارة عن ربع رغيف خبز وملعقة صغيرة من الأرز أو التمر، وأحياناً لا شيء على الإطلاق، مع شرب ماء مالح أو ملوث.
أدخل هذا النقص الحاد في الغذاء أجسادهم في حالة "طوارئ بيولوجية" أدت إلى انهيار العضلات والأنسجة الداخلية من أجل البقاء على قيد الحياة في بعض الحالات.
وتحدث الرهينة بار كوبرشتاين ل
تايمز أوف إسرائيل قائلا: "كسروا عظام قدميّ.. لم أستطع المشي لمدة شهر"، موضحا أن الضرب جاء ردا على تصريحات الوزير إيتمار بن غفير حول السجناء الفلسطينيين، إذ قال له أحد الحراس: "هذا لأن بن غفير فعل ذلك بنا".
وفي حالات أخرى، حُبس رهائن في أقفاص حديدية ضيقة لا يتجاوز عرضها عرض فراش واحد، وسط حراسة مشددة من مقاتلين فقدوا أقاربهم في القصف الإسرائيلي، وهو ما زاد من حدة التوتر وشعورهم بالخطر الدائم.
طهيٌ للحرّاس ومكعب روبيك ولعب ورق
رغم القسوة التي سادت معظم الشهادات، نقلت لوموند روايات أظهرت تفاعلات فردية خفّفت من وطأة الأسر في بعض الحالات.
قال الرهينة السابق أومري ميران إنه كان هو من يطهو الطعام يوميا لحراسه، وكانوا يحبون وصفاته ويقضون معه أوقاتا في لعب الورق، ما خلق لحظات تواصل نادرة وسط واقع قاس.
كما ذكر رهينة آخر أنّ أحد عناصر حماس جلب له مكعب روبيك بعد أن أعرب عن اهتمامه به، فيما تحدّثت عائلات عن حصول بعض الرهائن المرضى على رعاية طبية محدودة، أو كتب دينية سمح الحراس لهم باستخدامها في الصلاة.
بين التعاطف الفردي والعقاب الجماعي
تكشف هذه الشهادات أن معاملة الرهائن داخل غزة لم تكن موحّدة. فمن جهة، كان هناك حرمان غذائي، وضرب، واحتجاز في ظروف قاسية، استخدمت أحياناً كأداة ضغط أو انتقام سياسي. ومن جهة أخرى، ظهرت مبادرات فردية من بعض الحراس سمحت بلحظات من الهدوء.
ووفقا لصحيفة لوموند، فإن هذا التباين يعود إلى عدة عوامل، من بينها ارتباط بعض الحراس بفقدان شخصي خلال الحرب، ما جعل سلوكهم متقلبا بين التشدد والتسامح.
أما بالنسبة للرهائن، فقد جعلت هذه التجربة المتناقضة حياتهم اليومية مزيجا من الخوف والجوع، تتخللها لحظات من المعاملة الإنسانية.