سياسة

"الخط الأصفر".. جدار جديد يبتلع نصف غزة

نشر
blinx
على بُعد أمتار من منزله المهدم في بلدة القرارة شمال خان يونس، يقف محمد خالد أبو الحسين، أب لخمسة أطفال، يحدق في الأفق حيث ترتفع سواتر الرمل والأسلاك الشائكة.
يقول لصحيفة الغارديان: "كلما اقتربنا من بيوتنا تنهمر الرصاصات من كل اتجاه، والطائرات الصغيرة تلاحقنا. أكثر ما يؤلمني هو أن يتحول هذا الخط إلى حدود دائمة تمنعنا من العودة".
يتحدث أبو الحسين عن ما بات يعرف بـ"الخط الأصفر"، وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، يشق هذا الخط قلب قطاع غزة، ويمتد تقريبا من شمال القطاع إلى جنوبه، قاطعا إياه إلى نصفين متقابلين، أحدهما خاضع للسيطرة الإسرائيلية والآخر تحت إدارة حماس.
رُسم هذا الخط بداية بموجب الخطة الأميركية للسلام، ليشكل مرحلة أولى من الانسحاب الإسرائيلي المؤقت، على أن يتم لاحقا تسليمه لقوة دولية حال نزع سلاح حماس، وهو ما لم يتحقق بعد.

جدار رملي وأبراج مراقبة

بدأت القوات الإسرائيلية منذ مطلع أكتوبر في وضع كتل خرسانية صفراء اللون على امتداد الخط، يفصل بينهما نحو 200 متر بين كل علامة وأخرى، على ارتفاع 3.5 أمتار وفق ما أكد ناطق باسم الجيش الإسرائيلي للغارديان.
ووصفت وول ستريت حورنال المشهد في أحد المواقع شمال شرق غزة قائلة إنّ السواتر الرملية ترتفع بطول طابقين تقريبا، تعلوها أسلاك شائكة، وإلى جانبها طريق رملي بعرض سيارتين. في الأفق ترى أنقاض حي الشجاعية المدمر، بينما تحلق طائرات الاستطلاع من دون طيار في السماء.
ورغم أنّ الجيش الإسرائيلي أعلن أنه أكمل فقط بين 10% و20% من أعمال ترسيم الخط، فإنّ المواقع العسكرية والأبراج تنتشر على التلال المرتفعة، ما يمنح القوات الإسرائيلية ما وصفه ضابط عسكري بـ "ميزة السيطرة من الأعلى".

منطقة خطر للمدنيين

يقول أيمن أبو منديل، البالغ 58 عاما من القرارة، للغارديان إنّ منزله يقع شرق الخط في منطقة تسيطر عليها إسرائيل: "لم نر العلامات الصفراء بأعيننا، لأنّ من يقترب يُستهدف فورا. حتى الإقتراب من أرضنا أصبح جريمة".
وبحسب الغارديان، تُسجل يوميا أكثر من 20 حالة قتل في محيط الخط بسبب إطلاق النار على من يقترب، ما يجعل عشرات آلاف النازحين عاجزين عن العودة إلى بيوتهم.
من جهته، أمر وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس بتطبيق ما وصفته الصحيفة بسياسة "إطلاق نار حرّ"، بعد مقتل جنديين في رفح، في حين أكّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنّ تل أبيب ستحتفظ بسيطرتها الأمنيّة الكاملة في غزة: "إسرائيل دولة مستقلة، وسنقرر بأنفسنا متى وأين نضرب أعداءنا".

الخط يتحول إلى "حدود جديدة"؟

مع تعثر تنفيذ المرحلة الثانية من الهدنة، بات الخط الأصفر يأخذ شكلا دائما. وذكرت الغارديان أنّ وسائل الإعلام الإسرائيلية باتت تصفه بـ"الحد الجديد" لغزة.
توقع الكاتب العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت يوآف زيتون أن يتطور إلى "حاجز عال ومتقدم سيقلص مساحة القطاع ويتيح توسيع صحراء النقب لإقامة مستوطنات جديدة"، بحسب ما نقلته الغارديان.
كما حذرت الغارديان من أنّ الوضع يُمثل "ضما زاحفا لغزة"، كما قال جيريمي كوندينك، رئيس منظمة "ريفيوجيز إنترناشونال"، الذي رأى أنّ أي خطوة "مؤقتة في الأراضي الفلسطينية المحتلة سرعان ما تصبح دائمة".

قلق فلسطيني من التقسيم الدائم

في الجانب الفلسطيني، يخشى السكان أن يصبح الخط واقعا جديدا يعمق تقسيم القطاع.
يقول صلاح أبو صلاح من عبسان الكبيرة: "كلما نحاول الاقتراب نرى دمارا جديدا وآليات عسكرية تتقدم. أخاف أن يتحول هذا الخط إلى حدود لا يمكننا عبورها أبدا".
وبينما يتحدث مسؤولون إسرائيليون عن خطط لبناء بنى تحتية جديدة ومراكز مساعدات على طول الخط لتسهيل إعادة إعمار المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، يرى الفلسطينيون في ذلك خطوة لتكريس واقع سياسي جديد يُعيد رسم خريطة غزة ويحولها إلى كيان منقسم ومحاصر.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة