من سويسرا إلى الفضاء.. مشروع لكشف مصير الطائرات المفقودة
في مغامرة تجمع بين العلم والغموض، تقود منظمة سويسرية تُدعى Missing.aero منذ عام 2017 مشروعا طموحا للعثور على الطائرات المفقودة في أنحاء العالم باستخدام صور الأقمار الصناعية وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وفقا لصحيفة
لو تان السويسرية.
هذه المنظمة الصغيرة، التي تحاول إغلاق جراح آلاف العائلات التي لم تعرف مصير أحبّائها منذ عقود، وُلدت من شغف مؤسّسها الأرجنتيني أنيبال خايمس بالطيران ومن إحساس عميق بالعدالة الإنسانية تجاه من اختفوا في السماء دون أثر.
من مقره في سويسرا، يحاول خايمس تحويل الحزن إلى علم، والمأساة إلى بيانات، مستفيدا من أحدث تقنيات تحليل الصور الفضائية والذكاء الاصطناعي لرسم خريطة غير مرئية للأمل.
فبين غموض الغيوم وصمت الأقمار الصناعية، تسعى المنظمة لإحياء قصص الطيارين والمسافرين الذين ابتلعتهم الجبال أو المحيطات، لتعيد إليهم صوتهم المفقود عبر إشارات تلتقطها من الفضاء.
البحث في جبال الأنديز.. نهاية مخيبة وبداية أمل
عاد الفريق السويسري حديثا من رحلة إلى جبال الأنديز التشيلية بعد أن اعتقد مؤسّسه، الأرجنتيني أنيبال خايمس، أنه عثر على طائرة أميركية مفقودة منذ عام 1969 تُعرف باسم BuNo 17254، وكانت تقلّ 20 شخصاً في طريقها من سانتياغو إلى بوينس آيرس.
كانت المفاجأة صادمة، إذ لم يجد سوى صخرة ضخمة، ورغم ذلك، يؤكد خايمس أنّ الفشل لم يُثنه عن المضيّ قدما، فكل تجربة تساعده على تطوير أدوات الرصد وفهم أسباب الخطأ.
وتُعدّ هذه الحادثة حلقة جديدة في سلسلة من عمليات البحث الفاشلة التي طالتها أيضا منظمة أميركية تدعى "MIA Recoveries" كانت قد أعلنت عام 2021 عن اكتشاف الطائرة، قبل أن يتبيّن لاحقاً أنها لطائرة تشيلية أخرى.
منظمة بلا وجوه.. وشبكة علمية عالمية
يُبقي خايمس هوية أعضاء منظمته طيّ الكتمان، مكتفيا بالقول إن عددهم بالمئات وينتمون إلى مؤسسات أكاديمية وصناعية كبرى في سويسرا والعالم، بينهم خبراء من المدرسة الفدرالية للبوليتكنيك في لوزان، وهيئة الفنون التطبيقية في نوشاتيل، والمعهد الفدرالي للمواد، إضافة إلى شركاء من فرنسا والمغرب وتشيلي وإسبانيا وبابوا غينيا الجديدة.
على الرغم من أن عدد الطائرات المفقودة في العالم منذ بداية الطيران يظل غير معروفا، يُقدّر خايمس عددها بنحو 10 آلاف، نصفها سقط في البحر، فيما بلغ عدد المفقودين منذ بدايات الطيران أكثر من 40 ألف شخص.
يقول خايمس إنّ الهدف ليس العثور على "الخردة المعدنية" بل منح العائلات "الطمأنينة التي حُرمت منها جيلا بعد جيل".
من الذكاء الاصطناعي إلى أسرار الأقمار الصناعية
تعتمد Missing.aero على صور الرادارات المرسلة من أقمار صناعية مثل Sentinel-1 التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، القادر على اختراق الغابات وكشف الأجسام المخبّأة تحت الأشجار بفضل تقنية "الرادار ذي الفتحة الاصطناعية". كما يستخدم الفريق خوارزميات ذكاء اصطناعي مدرّبة على صور حطام طائرات حقيقية ومقارنتها ببيانات من وكالات فضاء كـ ESA وNASA وJAXA.
وقد ساهمت دراسات ميدانية في اكتشاف تأثير طلاء الطائرات الأبيض المحتوي على الرصاص، الذي يمتصّ الموجات الكهرومغناطيسية ويُربك أجهزة الاستشعار. وفي أحدث محاولة، ظنّ الفريق أنّ صور الأقمار الصناعية تُظهر بقايا الطائرة الأميركية وعلاماتها الحمراء، قبل أن يتبيّن لاحقا أن "اللون الأحمر" كان مجرّد طحالب و"الإشارات المعدنية" سببها مخلفات طيور الكندور الغنية بالمعادن الثقيلة.
ومع ذلك، يرى خايمس أنّ التجربة "ثمينة" لأنها قرّبتهم من حلّ لغز تقني عمره نصف قرن.
وبين الصخور والغيوم والأحلام، تمضي هذه المنظمة السويسرية في سعيها لتحويل صور الفضاء إلى مفاتيح للحقيقة تفتح بها أسرار من رحلوا دون أثر.