فضيحة سدي تيمان.. حين أُفرج عن الشاهد لتُدفن الجريمة
في شهادات تقشعر لها الأبدان، خرج ناجون من سجن سدي تيمان الإسرائيلي ليرووا ما عاشوه بين جدران تحولت إلى ما وصفوه بـ"مقابر للأحياء".
تشمل بعض أشكال التعذيب التي ذكروها تجريد من الملابس، صعق بالكهرباء، حرمان من النوم والطعام، واعتداءات وصفت بأنها "تفقد العقول".
قال أحدهم، الصحافي الفلسطيني شادي أبو سيدو، لصحيفة
الشرق الأوسط إنه رأى، عندما أجبر على خلع ملابسه والجلوس تحت المطر عاريا لساعات طويلة، جنودا "يضحكون بينما تغتصب أجساد المعتقلين بكلاب بوليسية".
كما أضاف أن الجنود كانوا في أوقات أخرى ينفذون ما يسمونه بـ "التشريفة"، أي ممرا من 30 جنديا ينهالون بالضرب على الأسرى قبل إدخالهم السجن، فيما تعرضت حالات أخرى لصعق بالكهرباء واغتصابات جماعية في غرف سميت "الديسكو" بسبب اختلاط صراخ الضحايا بالموسيقى الصاخبة.
تقرير "بتسيلم".. شبكة معسكرات للتعذيب
لم تكن شهادات أبو سيدو عن وسائل التعذيب في السجن معزولة، إذ تتطابق مع شهادات أخرى لمعتقلين بالسجن نفسه، حيث وثقت منظمة
بتسيلم في أغسطس 2024 تحت عنوان "مرحبا بكم في الجحيم" 55 شهادة لرجال ونساء فلسطينيين احتجزوا في سجون إسرائيلية منذ 7 أكتوبر.
روى الشهود وقائع عنف ممنهج، وتجويع متعمد، ومنع من الصلاة والعلاج، حتى باتت مراكز الاحتجاز، بحسب المنظمة، "شبكة من معسكرات هدفها الأساسي الإيذاء لا العدالة". وجاء في التقرير أن "الحكومة الإسرائيلية استغلت صدمة هجمات أكتوبر لتطبيق سياسة عنصرية قائمة على التعذيب والإذلال".
تسريب الفيديو.. لحظة الانفجار
لكن القصة تجاوزت التوثيقات التي تحفضها التقارير الحقوقية، حين سرب في يوليو 2024 مقطع مصور من داخل سدي تيمان يظهر جنودا إسرائيليين يعتدون جنسيا على أسير فلسطيني.
وبحسب صحيفة
20 مينوت الفرنسية، تحول الفيديو إلى "قضية وطنية" داخل إسرائيل، إذ أطلقت على إثره موجة غضب شعبي ودولي، ووصف بأنه "أضخم أزمة تضرب المؤسسة العسكرية منذ سنوات".
بعد أيام من الضجة، كشفت صحيفة
نيويورك تايمز أن المدعية العسكرية العامة يفعات تومر يروشالمي هي من سمحت بتسريب الفيديو بهدف كشف الحقيقة بعد محاولات للتستر على الحادثة. غير أن التسريب أدى إلى حملة سياسية واسعة ضدها، قادها وزراء من اليمين أبرزهم يسرائيل كاتس وبتسلئيل سموتريتش الذين وصفوا الفيديو بأنه "ملفق واعتبروه "افتراء دمويا" على جنود الاحتياط، رغم تأكيد التحقيقات صحته.
في فبراير 2025، وجه الادعاء العسكري الإسرائيلي لخمسة جنود من وحدة الاحتياط تهما بالتعذيب والتسبب بإصابات جسيمة لأحد الأسرى الفلسطينيين في سجن سدي تيمان. وجاء في نص لائحة الاتهام الرسمية، التي نقلت تفاصيلها صحيفة نيويورك تايمز، أنّ الجنود "انهالوا على الأسير بالضرب، وجروه على الأرض وهو مقيّد، وصعقوه بجهاز تيزر، فيما استخدم أحدهم أداة حادة وطعنه في مؤخرته، ما أدّى إلى تمزق في المستقيم، وكسر في الأضلاع، وثقب في الرئة".
ورغم خطورة الوقائع، خلت لائحة الاتهام من أي بند يتعلق بالاعتداء الجنسي، وهو ما أثار جدلا واسعا داخل إسرائيل وخارجها.
وفي أكتوبر 2025، كشفت صحيفة
هآرتس أن الأسير الذي تعرض للتعذيب أُفرج عنه إلى قطاع غزة ضمن صفقة لتبادل الأسرى قبل أن يستجوب قضائيا، الأمر الذي وجه ضربة للقضية وأضعف فرص إدانة المتورطين.
نهاية مفتوحة لجريمة بلا عقاب
بعد استقالتها احتجاجا على سياسة الحكومة، اعتقلت السلطات الإسرائيلية المدعية العسكرية العامة يفعات تومر يروشالمي، ووجهت إليها تهم "إساءة استخدام المنصب وعرقلة العدالة وتسريب مواد سرية".
ووفقا لموقع
Juan Cole، فإن استقالتها كشفت "تمردا سياسيا لتبرير التعذيب"، إذ اعتبر قادة في اليمين الإسرائيلي أن تسريب الفيديو "خيانة"، بينما كان في جوهره فضحا لسياسة رسمية حولت الاعتقال إلى وسيلة للإذلال الجماعي.
كما وصفت صحيفة
Grand Pinnacle Tribune الفضيحة بأنها "زلزال أخلاقي" أصاب المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، إذ تحولت المسؤولة التي كشفت الانتهاك إلى متهمة، بينما بقي الجناة أحرارا بحماية النظام.
وبينما يتواصل الجدل في المحاكم والإعلام، يبقى سجن سدي تيمان شاهدا على مرحلة غابت فيها المساءلة وحضرت فيها القسوة باسم الأمن. شهادات الناجين وتقارير المنظمات والصحف تكشف أن ما جرى في ذلك السجن لم يكن حادثا فرديا بل حلقة في منظومةٍ أوسع تشرعن التعذيب، وتحول الصمت إلى قانون، والإنكار إلى سياسة.