فشل الانتقال.. كيف تحول "حلم مدنيّة السودان" إلى حرب؟
ذكر الخبير الفرنسي في شؤون أفريقيا والصحراء، رولان مارشال، في تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية أنّ جذور الأزمة السودانية "داخلية بالأساس"، ناتجة عن فشل المرحلة الانتقالية التي أعقبت سقوط الرئيس عمر البشير عام 2019، وما تبعها من انقلاب عسكري أطاح بالحكومة المدنية وأعاد البلاد إلى الحكم العسكري المتحالف مع تيار "الإسلام السياسي".
تلك المرحلة، التي وُصفت حينها بفرصة تاريخية لبناء دولة مدنية، انتهت بانقسام دموي بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي". ومع مرور الوقت، تحوّل الخلاف على تقاسم السلطة إلى حرب شاملة دمّرت البنية التحتية وأغرقت البلاد في فوضى سياسية واقتصادية غير مسبوقة.
فشل الانتقال بعد سقوط البشير
يقول مارشال إنّ ما يميّز الصراع الحالي هو استمرار القوى نفسها التي حكمت السودان في العقود الماضية، وإن تغيّرت مواقعها.
فبعد سقوط البشير، ظلّ "الإسلاميون" المقرّبون من نظامه داخل مؤسسات الدولة والجيش، واستطاعوا التأثير في مراكز القرار مجددا.
كان الانقلاب الذي قاده البرهان في أكتوبر 2021 نقطة التحوّل الكبرى، إذ أنهى الشراكة المدنية-العسكرية، وأعاد السلطة إلى أيدي الجيش. ومع هذا التحوّل، برزت شخصيات محسوبة على النظام السابق مثل ياسر العطا وغيرهم، أعادوا صياغة خطاب ديني وسياسي يقوم على مواجهة "التدخل الخارجي" ورفض أي انتقال لا يمرّ عبر المؤسسة العسكرية.
البرهان بين الإسلاميين والضغوط الأميركية
بحسب تقرير لـ م
ؤسّسة الدفاع عن الديمقراطيات الأميركية وجد البرهان نفسه في موقع مزدوج حيث يعتمد داخليا على الإسلاميين لتثبيت سلطته، وخارجيا يسعى للحفاظ على علاقاته مع حلفاء مناهضين.
وتشير التقارير إلى أنّ واشنطن أبدت قلقا متزايدا من علاقة الجيش في السودان بجماعات إسلامية ومن واردات الأسلحة القادمة من إيران. وقال المبعوث الأميركي إلى أفريقيا، مسعد بولوس" قلقنا الأساسي يتمثل في صلات الجيش بمتطرفين واستيراده للأسلحة من طهران".
كما أشار بولوس إلى أن الجيش بدأ خطوات لقطع تلك العلاقات، لكنّ الوقائع أوضحت عكس ذلك. فوزير المالية جبريل إبراهيم، أحد رموز النظام السابق، زار طهران العام الماضي، قبل أن تفرض عليه وزارة الخزانة الأميركية عقوبات. وبعدها بأشهر، قاد وفد الجيش إلى موسكو، ما عزّز الشكوك حول استمرار الروابط بين المؤسسة العسكرية والتيارات السياسية المتشددة.
توازنات هشّة وضغوط إقليمية
يرى محللون أنّ البرهان يحاول الموازنة بين اعتماده على الإسلاميين في الداخل، واسترضاء داعميه الدوليين الذين يخشون تمدد الفكر الإسلامي المتشدد داخل الجيش.
وتحت ضغط متزايد من الرباعية، وافق البرهان على مفاوضات غير مباشرة مع قوات الدعم السريع في واشنطن، لكنّه تمسّك بموقفه الرافض لتقاسم السلطة، مؤكدا أنّ أي تسوية يجب أن تشمل حلّ الدعم السريع ودمج عناصرها تحت قيادة الجيش.
"هذه المواقف المتصلّبة"، كما يقول تقرير المؤسسة الأميركية، تهدّد بإفشال الجهود الدولية وتكرّس استمرار الصراع، إذ يسعى البرهان إلى تحقيق عبر المفاوضات ما لم يستطع تحقيقه عسكريا.
تعدد الأطراف الخارجية.. أكثر من 13 دولة
في تحليله، يرى تقرير لوموند أنّ الصراع السوداني اتخذ طابعا دوليا متشابكا، إذ تتداخل فيه مصالح أكثر من 13 دولة. لكلّ طرف حساباته الخاصة، ما جعل الحرب مستمرة بلا أفق سياسي.
تلفت لوموند إلى أنّ الأزمة السودانية، التي تحوّلت إلى حرب أهلية منذ أبريل 2023، تهدد بإشعال المنطقة بأكملها. فالتوتر يمتدّ إلى تشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، حيث تنشط شبكات تهريب السلاح والذهب والوقود التي تغذي اقتصاد الحرب في السودان.
ويحذّر المراقبون من أنّ استمرار الصراع قد يؤدي إلى تفكك الدولة، خاصة مع الانهيار الكامل للمؤسسات المدنية وتراجع العملة الوطنية وتفشي الجوع. فالاقتصاد السوداني كان يعاني أصلا من أزمة عميقة منذ سقوط البشير، وتفاقم الانهيار مع توقف الصادرات الزراعية والمعدنية، وتراجع الإيرادات العامة.
رغم إعلان الولايات المتحدة مؤخرا عن جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة بين الجيش والدعم السريع، إلا أنّ فرص نجاحها تبدو محدودة، بحسب محللين.
في الوقت نفسه، تتفاقم الكارثة الإنسانية، حيث أنّ أكثر من 10 ملايين نازح وفق تقديرات الأمم المتحدة، ونصف السكان بحاجة إلى مساعدات عاجلة. ومع ذلك، لا تزال المساعدات تواجه عراقيل في الوصول إلى المناطق المتضررة، فيما تسيطر المليشيات على طرق الإمداد والمعابر الحدودية.