سياسة

هدنة مرفوضة.. لماذا يصرّ الجيش في السودان على القتال؟

نشر
blinx
لماذا لم يتجاوب الجيش في السودان بقيادة عبد الفتاح البرهان مع مقترح الهدنة، رغم إعلان قوات الدعم السريع موافقتها عليها، ورغم الحاجة الإنسانية الملحّة وضغط الوسطاء الدوليين؟
هذا السؤال يعيد فتح بنية القرار داخل الجيش في السودان، في لحظة يُفترض أنها تتطلب تهدئة لا تصعيدا.
فرفض الهدنة لا يبدو مجرد موقف تكتيكي، بل يرتبط بحسابات أوسع: من المكاسب الميدانية، إلى الشروط السياسية المسبقة، إلى الخوف من المحاسبة وفقدان النفوذ، مرورا بالانقسامات المحتملة داخل الجيش نفسه، وصولا إلى التحالفات القائمة مع فصائل إسلامية مسلّحة تعتمد عليها القوات المسلحة في هذه الحرب.
وفق التقارير الواردة، فقد أعلنت قوات الدعم السريع، في السادس من نوفمبر، موافقتها على هدنة إنسانية مؤقتة "استجابة لتطلعات ومصالح الشعب السوداني".
وفي المقابل، أعلنت الإدارة الموالية للجيش في بورتسودان أنها ستواصل الحرب مع طرح خطة بديلة لـ"تسهيل وصول المساعدات" واستعادة الأمن، وفق ما نقلته صحيفة لوموند وفرانس برس.
فما أسباب رفض الهدنة من قبل الجيش في السودان؟

اعرف أكثر

الحسابات العسكرية والمكاسب الميدانية

تفيد فرانس برس بأن إعلان قوات الدعم السريع موافقتها على الهدنة الإنسانية المؤقتة جاء بالتزامن مع استمرار أعمال العنف في مناطق مختلفة. وهذا يشير إلى أن الوضع الميداني ما يزال متحركا، وليس في حالة جمود تسمح بوقف إطلاق النار بسهولة.
وبحسب لوموند، فإن الاجتماع الذي عقدته الإدارة الموالية للجيش في بورتسودان لم يتجه نحو القبول بالهدنة، بل أكّد قرار مواصلة الحرب، مع طرح خطة موازية لتسهيل المساعدات الإنسانية واستعادة الأمن.
هذا الإصرار على القتال ينسجم مع الرؤية التي يعتبر فيها الجيش أن وقف العمليات العسكرية في هذه المرحلة قد يمنح قوات الدعم السريع فرصة لإعادة تنظيم صفوفها أو تثبيت وجودها في مناطق سيطرتها.
ووفق فرانس برس، فإن مبادرة الرباعية لوقف إطلاق النار جاءت بعد نحو عامين وسبعة أشهر من الحرب، وهو توقيت حسّاس يعكس ميزان قوى متغير على الأرض. لذلك، يظهر موقف الجيش وكأنه محاولة لحسم ميداني إضافي قبل الدخول في أي مسار تفاوضي.
كما تدلّ هذه المعطيات على أن الجيش بقيادة البرهان يرى أن الوقت الميداني ما يزال يعمل لصالحه أو على الأقل ليس ضده، وتاليا فإن الهدنة قد تُعادِل خسارة سياسية من دون مقابل عسكري.

شروط سياسية مسبقة

توضح منصة moderndiplomacy أن الجيش السوداني لا ينظر إلى الهدنة كمبادرة إنسانية محضة، بل كجزء من سياق سياسي أكبر يتعلق بنتائج الحرب وترتيبات ما بعد النزاع.
وتشير المنصة إلى أن الجيش هاجم مجلس الاتحاد الأوروبي واتهمه بالسعي إلى فرض وقف إطلاق النار بطريقة تسمح لقوات الدعم السريع بإعادة تجميع نفسها واستعادة قوتها القتالية، معتبرا أن هذا "نهج غير موفق".
كما تلفت moderndiplomacy إلى أن الجيش في السودان يشترط قبل أي تفاوض أو هدنة نزع سلاح قوات الدعم السريع ووضعها في معسكرات، وهو شرط يعتبره الوسطاء الدوليون غير قابل للتطبيق لأنه يماثل عمليا استسلاما أحاديا، وفق وصف التقرير.
في المقابل، ترى جهات الوساطة أن إشراك الطرفين على الطاولة شرط أساسي للوصول إلى أي وقف دائم لإطلاق النار، وهو ما يرفضه الجيش بالسودان في المرحلة الحالية.

الخشية من المحاسبة أو فقدان النفوذ

وفق eurasiareview، فإن موقف الجيش في السودان لا يمكن فصله عن البنية السياسية التي تحيط به. فالفصائل الإسلامية التي تعد جزءا من شبكة نفوذه تعارض أي عملية انتقال سياسي قد تقلّص حضورها في الدولة.
وتؤكد المنصة أن هذه الفصائل لعبت دورا رئيسيا في تعطيل مسار الانتقال المدني في السودان خلال السنوات الماضية.
وتشير التقارير إلى أن دعوات وقف إطلاق النار لا تأتي فقط من الخارج، بل أيضا من مبادرات داخلية مثل مبادرة "صمود" بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، التي تطالب بدخول الأطراف في محادثات سلام. إلا أن قوى مثل "تنسيق القوى الوطنية" و"التيار الإسلامي العريض" و"الحركة الإسلامية السودانية" ترفض ما تصفه بـ"التدخل في الشؤون الداخلية".
وتُبرز eurasiareview أن الرباعية أكدت بشكل واضح أن "مستقبل السودان لا يمكن أن تحدده مجموعات متطرفة عنيفة"، وهو ما تعتبره هذه الفصائل تهديدا مباشرا لدورها، ما يجعل قبول الهدنة بالنسبة للجيش غير منفصل عن خسارة نفوذ سياسي محتمل.

انقسام داخلي

توضح moderndiplomacy أن داخل الجيش بقيادة البرهان نفسه اتجاهات متعددة تجاه مسار الحرب.
فبعض القيادات ترى أن أي قبول بالهدنة أو بدء مفاوضات يمكن أن يعيد البلاد إلى تجربة حكم مدني شبيهة بحكومة عبد الله حمدوك التي انتهت بانقلاب شارك فيه الجيش والدعم السريع معا.
وبحسب المنصة، يخشى الجيش أن يؤدي قبول البرهان بمقترح هدنة قبل ترجيح الكفة عسكريا إلى انقسام داخلي بين قيادات تعتبر أن استعادة مؤسسات الدولة يجب أن تتم عبر الحسم لا التسوية.
هذا الانقسام، إن ظهر، قد لا يكون سياسيا فقط، بل يتعلق أيضا بتركيبة القوى الميدانية الناشطة في الحرب.
فقد سعى البرهان في لقائه المبعوث الأميركي إلى أفريقيا، مسعد بُولُس، إلى إظهار استعداده لسحب القوات الإسلامية مقابل استئناف الوساطة الأميركية، إلا أنه عاد مباشرة بعد اللقاء ليجدّد رفضه لأي تسوية أو مصالحة مؤكدا أن الحرب لن تنتهي إلا بـ"نصر عسكري كامل" للقوات المسلحة، ما يعكس تناقضا بين رسائل التهدئة ومحافظة الخطاب العملي على نهج التصعيد، بحسب تقرير eupoliticalreport.
ويتابع التقرير عينه أن البرهان يحاول إظهار مسافة علنية عن "لواء البراء بن مالك" المرتبط بالحركة الإسلامية، فيما تستمر صلات التعاون بين الجيش وتلك الجماعات، بما يسلّط الضوء على تعقيدات داخلية في إدارة التحالفات.

التحالفات مع الفصائل الإسلامية

تشير eupoliticalreport إلى أن الجيش في السودان يعتمد في جبهات القتال على مقاتلين من "لواء البراء بن مالك" وغيره من الفصائل الإسلامية، وهو اعتماد يتجاوز الطابع التكتيكي ليصل إلى بنية عسكرية موازية.
وتبرز أن شخصية محورية مثل اللواء أبو عبيدة فضل الله كانت تنسّق العلاقة بين الجيش وهذه المجموعات، قبل فرض عقوبات أميركية عليه.
وتوضح eupoliticalreport أن أموال الحركة الإسلامية السودانية تُستخدم لدفع رواتب المقاتلين، ما يخفف الضغط المالي عن الجيش، ويجعل استمرار التحالف ضرورة عملية.
وفي الوقت نفسه، تفرض العقوبات الأميركية ضغوطا متزايدة على هذا الارتباط.
يعتمد البرهان على نحو 20 ألف مقاتل من "لواء البراء بن مالك" الإسلامي، مع الإشارة إلى ولاء الميليشيا لجماعة الإخوان وسعي البرهان لإظهار مسافة علنية عنها، وفق eupoliticalreport.
وأيضا حسب eupoliticalreport، تُثار مخاوف بشأن اعتماد القوات المسلحة على علي كرتي، الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية، الذي يُقال إنه يقيم في بورتسودان ويجتمع بانتظام مع البرهان وياسر العطا، مع تقارير عن استخدام أموال الحركة الإسلامية لدفع رواتب مقاتلي الفصائل المتطرفة، ما يخفف العبء المالي عن القوات المسلحة.
ويقول مقال رأي في eurasiareview إن الحكومات الغربية تؤكد أن "العناصر الإسلامية" كانت قوة مدمِّرة عطّلت مسار الانتقال الديمقراطي.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة