سياسة

لماذا تفجّر تصريحات تاكايتشي بشأن تايوان الأوضاع بين طوكيو وبكين؟

نشر
blinx
بعد أسابيع فقط من توليها رئاسة وزراء اليابان، اختبرت ساناي تاكايتشي ماذا يعني أن تتجاوز الخطوط الحمر للصين بشأن تايوان.
ففي 31 أكتوبر، عقدت رئيسة الوزراء اليابانية المنتخبة حديثًا اجتماعًا وديًا نسبيًا مع الرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC) في كوريا الجنوبية. وبينما أثار الزعيمان مخاوف ثنائية قائمة منذ فترة طويلة، فقد أكدا مجددًا عزمهما على بناء علاقة تعاونية ومستقرة ومفيدة للطرفين بين البلدين.
لكن العلاقة بدأت تتدهور إلى أزمة بعد أسبوع، عندما قالت تاكايتشي، ردًا على أسئلة في البرلمان الياباني في 7 نوفمبر إن الصراع العسكري حول تايوان من المرجح أن يشكل "وضعًا يهدد بقاء اليابان" وقد يدفع إلى رد عسكري ياباني، وفق تقرير لموقع ذا ناشونال إنترست.
وعلى الفور ردت الصين غاضبة برسالة عبر الإنترنت نشرها القنصل العام الصيني في أوساكا ورغم حذفها لاحقا، إلا أنه جاء فيها: "الرأس القذر الذي يقتحم البلاد من دون تردد لا يمكن قطعه إلا من دون تردد. هل أنتم مستعدون لذلك؟"، ليصوِّّر ذلك على نطاق واسع على أنه تهديد بقطع رأس تاكايتشي.
ومنذ ذلك الحين، طالبت وزارة الخارجية الصينية تاكايتشي بالتراجع عن تصريحاتها و"التوقف عن اللعب بالنار في قضية تايوان" لأن "من يلعب بالنار سيهلك بها".
كما استخدمت بكين أسلوبها في الضغط الاقتصادي: محذرة مواطنيها من السفر والدراسة هناك، ومشيرة إلى أنّه لن يكون هناك سوق في الصين لصادرات اليابان من المأكولات البحرية، ومطلقة موجة من الحماسة القومية العارمة موجهة ضدّ رئيسة الوزراء اليابانية.
ووفق تقرير لشبكة سي إن إن الإخبارية، فهذه الضجة تبدو مُعدّة بعناية لإرسال تحذير إلى اليابان، ودول أخرى في المنطقة، مما قد يحدث إذا ما فكّرت في اتخاذ موقف مُخالف للصين بشأن تايوان، الجزيرة الديمقراطية المُتمتّعة بالحكم الذاتي والتي تُطالب بكين بتبعيتها لها. ولكن الخلاف، الذي لا تظهر عليه أي علامة على التراجع بعد نحو أسبوعين، يكشف أيضا عن أمر آخر: المخاوف العميقة الجذور لدى بكين بشأن إمكانية تغيير المواقف العسكرية في آسيا، مع قيام حلفاء الولايات المتحدة بتكثيف الإنفاق الدفاعي والتنسيق في مواجهة قوتها العسكرية الصاعدة. فماذا قد يحمل هذا الاشتباك الدبلوماسي للطرفين؟

ماذا يقول التاريخ؟

وصف العديد من المعلقين هذا الأمر على الفور بأنه رد فعل صيني مبالغ فيه وغير معقول على تصريح ياباني معتدل نسبيًا، وإن كان غير مدروس. لكن ظلالا تاريخية كثيرة تخيم على هذه الحادثة. استولت الإمبراطورية اليابانية على تايوان من الصين كغنيمة حرب عام 1895، ثم غزتها وشنت حربا وحشية للغاية ضدها من عام 1937 إلى عام 1945.
قارنت بيانات وزارة الخارجية الصينية "وضع تاكايتشي الذي يهدد البقاء" بالمنطق الذي استخدمته الإمبراطورية اليابانية لتبرير الغزو.
وفق "ذا ناشونال إنترست"، عندما أقامت اليابان علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية عام 1972، أكدت طوكيو اعترافها ببكين "كحكومة شرعية وحيدة للصين"، وأضافت أن اليابان "تتفهم وتحترم تماما" موقف بكين القائل بأن "تايوان جزء لا يتجزأ من أراضي جمهورية الصين الشعبية".
وقد تجاوز هذا الموقف ما فعلته واشنطن عندما أقامت علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية عام 1979: فبينما "تتفهم وتحترم تماما" موقف جمهورية الصين الشعبية القائل بأن تايوان جزء من الصين، فإن واشنطن "اعترفت" به ببساطة.
ووفقًا للبيان الصيني لاجتماع تاكايتشي مع شي في 31 أكتوبر، قالت رئيسة الوزراء اليابانية إن طوكيو "ستلتزم بموقفها المنصوص عليه في البيان المشترك بين اليابان والصين لعام 1972".

ردّ بكين على تاكايتشي

ولهذا السبب ردّت بكين بشدّة على تصريحات تاكايتشي في البرلمان، والتي تُلمّح إلى أن اليابان ستنظر في استخدام القوة العسكرية لمنع الصين من استعادة تايوان. وبذلك، تجاوزت تاكايتشي رئيس الوزراء الياباني السابق، شينزو آبي، أحد مرشديها، الذي قال (بعد مغادرته منصبه فقط) إن "حالة الطوارئ في تايوان" ستُعتبر حالة طوارئ لليابان، لكنه لم يُحدد قط أن طوكيو سترد بالقوة العسكرية. وقد احتفظ آبي أساسا بما يُطلق عليه في واشنطن "الغموض الاستراتيجي"، بينما تجاوزت تاكايتشي هذا الخط.
ووفق "سي إن إن" من وجهة نظر بكين، تكشف تعليقات تاكايتشي أن اليابان لا تحترم إعادة توازن القوى الهائلة التي وضعت الصين كقوة عظمى صاعدة، وأن لديها طموحات عسكرية قد تهدد صعود الصين. "لأول مرة، يُعرب زعيم ياباني عن طموحاته بالتدخل العسكري في تايوان، ويُصدر تهديدًا عسكريًا ضد الصين"، هذا ما جاء في تعليق لصحيفة "الشعب" الناطقة باسم الحزب الشيوعي في وقت سابق من هذا الأسبوع. وراء هذا تكمن محاولة خطيرة من قوى اليمين الياباني للتحرر من قيود الدستور السلمي والسعي إلى نيل مكانة "قوة عسكرية" وفق الشبكة الإخبارية.

بكين توظف "سقطة تاكايتشي" لإرسال تحذيرات

يبدو أنّ هذه الضجة مُعدّة بعناية لإرسال تحذير إلى اليابان، ودول أخرى في المنطقة، مما قد يحدث إذا ما فكّرت في اتخاذ موقفٍ مُخالفٍ للصين بشأن تايوان. كما تكشف أيضا عن أمر آخر: المخاوف العميقة الجذور لدى بكين بشأن إمكانية تغيير المواقف العسكرية في آسيا، مع قيام حلفاء الولايات المتحدة بتكثيف الإنفاق الدفاعي والتنسيق في مواجهة قوتها العسكرية الصاعدة.
وبحسب "سي إن إن" لا توجد دولة أخرى تثير هذه المخاوف مثل اليابان، التي غزا جيشها الإمبراطوري الصين واحتلها ومارس فظائع ضدها في القرن الـ٢٠، وقبل عقود، استعمر تايوان، وهي نقاط ضعف رئيسية في ما يسمى بـ"قرن الإذلال" الذي عانت منه الصين على أيدي القوى الأجنبية.
تأججت المشاعر المعادية لليابان في البلاد منذ ذلك الحين، واشتعلت واكتسبت زخما خلال السنوات الأخيرة مع صعود أصوات المتشددين القوميين بشكل متزايد في الصين تحت قيادة شي جين بينغ.
معززًا تصميم الحزب الشيوعي الحاكم الراسخ على ضمان ألا يتكرر التاريخ أبدًا، قام شي بتحديث الجيش الصيني بسرعة وزاد نفوذه العالمي.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة