وساطة ترامب.. ورقة قوة في يد بوتين؟
مع وصول مبعوثي الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى موسكو، ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، بدا أن واشنطن تحاول فتح نافذة دبلوماسية جديدة لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
لكن تقريرا صدر عن
سي إن إن يشير إلى أنّ هذه المبادرة لم تتحول إلى مسار تفاوض فعلي، بل أصبحت جزءا من استراتيجية روسية تستفيد من استمرار الحرب ومن عملية التفاوض ذاتها.
فبينما كانت واشنطن تتطلع إلى تسوية سريعة، تعامل الكرملين مع الوساطة باعتبارها فرصة لتعزيز موقفه السياسي والعسكري، وإعادة صياغة قواعد التفاعل مع الولايات المتحدة وأوكرانيا.
اختلاف جوهري في أهداف الطرفين
تشير سي إن إن إلى أن الرئيس ترامب يرى أنه من الضروري إنهاء الحرب بسرعة، ويعبر عن رغبة في وقف الإنفاق الأميركي على الصراع، واعتبار الحرب "ليست حربه".
هذه المقاربة، كما تظهر من محادثات موسكو، تعكس تصورا أميركيا يقوم على وقف النزاع بأقل تكلفة سياسية ومالية ممكنة.
في المقابل، لا يظهر من سلوك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يسعى إلى اتفاق عاجل. فوفق التقرير، لم يقدم الكرملين خلال اللقاء الذي استمر ٥ ساعات أي إشارات تدل على استعداده لتغيير مواقفه، ولم يبد استعدادا لتقديم تنازلات. بل بدا أن موسكو تنظر إلى المبادرة الأميركية باعتبارها فرصة لتعزيز وضعها التفاوضي.
الكرملين يحول المفاوضات من مسار سلام إلى لعبة ضغط مع كييف وواشنطن
أحد أكثر المشاهد دلالة في تقرير سي إن إن هو إعلان مستشار بوتين يوري أوشاكوف وجود "خطة من 27 نقطة" وأربع وثائق إضافية، أكثر بكثير مما قال زيلينسكي سابقا إنه قدّمه. وتلمح هذه الخطوة إلى أن الكرملين هو الذي يحدد حجم الطاولة، وأوراقها، والقضايا الموضوعة عليها.
بهذه الطريقة، تتحول المفاوضات نفسها إلى أداة لإرباك كييف، وإظهارها كطرف لا يملك السيطرة على تفاصيل العملية، فيما تتعرض واشنطن للإحراج أمام حليفها الرئيسي.
كلما امتدّ الحوار بلا نتيجة، ازداد الضغط على زيلينسكي الذي يواجه تراجع المعنويات، أزمة طاقة، انقطاع التمويل، وتضعضعها سياسيا داخليا، وهي جميعها عوامل تصب في صالح بوتين.
موسكو تكسب على الجبهة العسكرية.. وعلى الجبهة الرمزية
ترى سي إن إن أن بوتين لا يربح الحرب بسرعة، لكنه يربحها بثبات لأنه يحرز تقدما بطيء "لا يمكن إنكاره"، في ظل نقص حاد في القوى البشرية والتمويل لدى أوكرانيا. وفي الوقت ذاته، يكسب مكسبا لا يقل أهمية يعكس صورة "روسيا التي تُستجدى للسلام".
فبينما تواصل قواته ضرب المدن الأوكرانية، يجلس بوتين متفرجا على مشهد يعتبره "حلم حياة سياسية كاملة": الولايات المتحدة، التي أمضت عقودا تفرض شروطها على العالم، تأتي لتفاوضه بلهجة المتردد، مستخدمة مبعوثين غير تقليديين.
وهكذا، تخلص سي إن إن إلى أن استمرار الحرب بات في حدّ ذاته مكسبا جيوسياسيا للكرملين من خلال إضعاف كييف، إنهاك الغرب، وإعادة رسم قواعد القوة على حساب واشنطن.
وبدل أن تكون مبادرة ترامب مسارا نحو إنهاء الحرب، أصبحت منصة يتقدم عبرها بوتين خطوة أخرى نحو هدفه الأكبر لزعزعة الهيمنة الأميركية.