من خطاب بوتين إلى خطط الهروب.. كيف يستعد فرنسيون للحرب؟
منذ إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أنّ بلاده "جاهزة للحرب إذا أرادها الأوروبيون"، تبدلت ملامح النقاش العام في فرنسا. لم تعد الحرب في أوكرانيا شأنا بعيدا، بل احتمالا يقترب من الحياة اليومية، تغذيه حوادث اختراق الطائرات المسيرة للأجواء الأوروبية، وتصريحات غير مسبوقة من قادة الجيش الفرنسي.
وفي هذا المناخ المشحون، تتعالى الأصوات والتساؤلات عن مدى جاهزية الفرنسيين فعلا لمرحلة أكثر خطورة ومدى انعكاس التصعيد الروسي مباشرة على الداخل الأوروبي.
وراء هذا التصعيد السياسي، تبدو ملامح قلق اجتماعي عميق، إذ يعيش مواطنون تحت ضغط الخوف، يضعون خططا للهروب، ويعيدون حساباتهم بشأن المستقبل، وسط رسائل متناقضة تصدر عن السلطات وتضخمها التغطيات الإعلامية.
خوف متصاعد.. ومواطنون يضعون خطط هروب
يلخص مثال ناداج، السبعينية التي تحدثت لصحيفة
لوفيغارو، حالة الذعر التي أصابت شريحة واسعة من الفرنسيين. فمنذ الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، تتخيل سيناريو واحدا: أن تمتد حرب بوتين إلى دول الناتو، ما سيجرّ فرنسا إلى مواجهة مباشرة.
دفعت التصريحات الأخيرة للرئيس الروسي ناداج إلى القناعة بأنّ "بوتين لن يكتفي بأوكرانيا"، وأن دول البلطيق الـ٣، إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، قد تكون الشرارة التالية بحكم انتمائها إلى الحلف الأطلسي.
ناداج لم تكتف بالقلق. لقد وضعت خطة خروج كاملة: تأخذ أبناءها وأحفادها على متن أول طائرة إلى كندا، حيث تعيش عائلتها البعيدة. اختيارها لكندا ليس عاطفيا فقط، بل جغرافيا، إذ "هناك بعيد جدا عن روسيا.. ويتحدثون الفرنسية"، تقول بثقة.
ناداج ليست حالة معزولة. فاستطلاعات Ifop وDynata التي نقلتها الصحيفة تُظهر أن 80% من الفرنسيين يرون روسيا تهديدا لسيادة دول الاتحاد الأوروبي، مقارنة بـ72% قبل شهر واحد فقط. وحتى على مستوى أوروبا ككل، شارك 79% الرأي نفسه، مع ارتفاع القلق إلى 85% في بريطانيا.
رسائل الدولة.. وتأثيرها على المخاوف الشعبية
لم يكن الروس وحدهم من غذى هذا القلق، إذ شكل أيضا تصريح الجنرال فابيان ماندون، رئيس أركان الجيوش الفرنسية، حين دعا الفرنسيين إلى "تقبّل فكرة خسارة أبنائهم" في حال اندلاع حرب، صدمة للرأي العام.
بلانش، شابة في الـ26، كانت مع والدتها عندما سمعت الخطاب. والدتها فهمت الأمر على الفور كإشارة إلى احتمال تعبئة مدنية، وقالت في هلع: "سنخفي أخاك.. ونغادر البلاد". حتى بعد أن تبين أن كلام ماندون يخص العسكريين فقط، ظلت بلانش قلقة: "هذه أوّل مرّة نسمع فيها خطابا بهذا الوضوح من المؤسسة العسكرية".
تصاعد القلق دفع بلانش إلى إعادة النظر في حياتها اليومية قائلة: "أفكر أنني يجب أن أسافر الآن.. ربما لن أستطيع لاحقا. الحرب تغيّر نوعية الحياة".
وفي المقابل، يرى الباحث جان دو غلينياستي، السفير الفرنسي السابق في موسكو، أن الخوف مبالغ فيه، موضحا أنّه لا وجود لسيناريو "دبابات روسية تتقدم نحو الشانزليزيه"، كما يقال، لأنّ فرنسا قوة نووية.
ومع ذلك، يعترف أيضا بأن مستوى التوتر الحالي لم يشاهد "منذ الحرب الباردة"، خاصة بعد سلسلة الانفجارات التي استهدفت ناقلات نفط من "الأسطول الخفي" الروسي في البحر الأسود وسواحل السنغال.
دور الإعلام.. بين التحذير والتهويل
يعود جزء من حالة الهلع، كما يرى بعض الفرنسيين، إلى التغطية الإعلامية.
تقول ماري، أم لفتاة تخدم في البحرية، إنها تكاد "تحزم حقيبتها وترحل" بسبب ما تسمعه من القنوات الإخبارية: "يتحدثون وكأن الحرب حتمية.. وهذا يرعبني".
تؤكد ماري أن ابنتها العسكرية وزملاءها "لا يشعرون بأن حربا وشيكة"، وترى أن الإعلام يضخم "أخطاء تواصل الحكومة". وهي تنتقد بشدّة تصريح ماندون قائلة: "كيف تطلب من الناس أن يكونوا مستعدين بينما تقول لهم إن أبناءهم سيموتون؟ هذا خطاب محبط".
لكن الخبير الاستراتيجي جان دو غلينياستي يرى أن جزءا مما يحدث هو حرب نفسية روسية: "الكرملين يريد أن يعتقد الأوروبيون أنّهم على وشك الدخول في حرب، هذه طريقة لزعزعة الرأي العام".
وفي الاتجاه المعاكس، يضيف أن المواطنين الروس يقال لهم إن أوروبا "تحاصر روسيا"، ما يصنع دائرة مغلقة من الخوف المتبادل.