حين يكسر ساركوزي القاعدة.. مذكرات السجن تتحول إلى ظاهرة
في خطوة فاجأت الوسط السياسي والإعلامي في فرنسا، تحولت الأيام الـ٢٠ التي قضاها الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي داخل سجن "لا سانتي" إلى كتاب من ما يقارب 300 صفحة يروي فيها تفاصيل تجربته اليومية وانطباعاته عن مكان لم يتوقع يوما أن يعيش فيه.
وقد صدر كتاب "مذكّرات سجين" بسرعة لافتة وأصبح فور نشره حدثا أدبيا وسياسيا، إذ احتل المرتبة الأولى في الطلبات المسبقة وتسبب في طوابير طويلة لحضور حفلات التوقيع، بحسب ما ذكره موقع
أورونيوز.
ويثير هذا الإصدار اهتماما استثنائيا لكونه أول شهادة يكتبها رئيس فرنسي سابق عن فترة سجنه، وهي تجربة غير مسبوقة في التاريخ السياسي للجمهورية الخامسة.
وتزامن نشر الكتاب مع استمرار ساركوزي في الطعن بالأحكام الصادرة بحقه، ما جعل المذكرات جزءا من المشهد العام المحيط بمحاكمته. وتضيف
ديرشبيغل أن الكتاب لا يكتفي بسرد الوقائع، بل يتضمن بعدا شخصيا وروحيا، إذ يصف ساركوزي تلك الأيام بأنها محطة وجد فيها "الرب".
في الوقت نفسه، تأتي هذه الضجة في سوق نشر لا ينجح فيها عادة سوى عدد محدود جدا من الكتب السياسية، إذ أشارت
BFMTV إلى أن معظم مؤلفات الشخصيات العامة في فرنسا تعد "إخفاقات تجارية"، بينما يشكل ساركوزي استثناء واضحا، ما يجعل كتابه ظاهرة تجمع بين السياسة والأدب والفضول الشعبي.
لماذا نجحت مذكّرات ساركوزي؟
تشير
أورونيوز إلى أن الكتاب شكل نجاحا فوريا، إذ تصدّر الطلبات المسبقة على أمازون يوم صدوره، فيما شهدت مكتبة لامارتين في الدائرة 16 بباريس طوابير طويلة من المؤيدين الذين انتظروا لساعات لحضور حفل التوقيع. كما تسبّب الحدث في احتجاج لحركة Femen وإغلاق شارع كامل.
وترى القناة أنّ هذا النجاح لم يكن عفويا، بل نتيجة استراتيجية اتصال محكمة هدفت إلى "السيطرة على الرواية" وقطع الطريق أمام أي سردية أخرى بشأن توقيف رئيس سابق للدولة، وهي واقعة غير مسبوقة في التاريخ السياسي الفرنسي الحديث.
يوضّح خبراء تحدثت إليهم
أورونيوز أن الكتاب استعجل نشره "لاستعادة المبادرة" وفرض إطار النقاش العام، خاصة وأنّ ساركوزي كان قد حُكم عليه بالسجن ٥ سنوات، بينها مدّة نافذة، في قضية التمويلات الليبية، وهو حكم يستأنفه حاليا.
كما يلفت التقرير إلى أنّ القارئ الفرنسي يتفاعل مع عنصر "الفضول"، فهذه هي المرة الأولى التي يسرد فيها رئيس فرنسي تجربته داخل السجن، ما يمنح الكتاب قوة جذب استثنائية في السوق.
يركز تقرير
ديرشبيغل على البعد الشخصي والوجودي في المذكرات، حيث توضح الصحيفة أن ساركوزي يصف سجنه القصير كمحطة تأمّل عميقة، ويذكر أنه "وجد الرب" هناك، وفق ما نقل التقرير.
وتشير المجلة الألمانية إلى أن هذا البعد الروحي جزء مهم من الرسالة التي ينقلها الكتاب، إذ لا يكتفي بسرد الوقائع اليومية، بل يقدّم تجربة ذات طابع معنوي وتأملي.
لماذا ينجح كتاب ساركوزي بينما تفشل معظم الكتب السياسية؟
توضح BFMTV أنّ عالم النشر السياسي في فرنسا يعاني من ضعف المبيعات، حيث لا تتجاوز كتب كثير من الشخصيات البارزة عشرات أو مئات النسخ، بينما يخرج ساركوزي عن هذه القاعدة بصفته "الاستثناء" في سوق عادة ما تعتبر "غير مربحة".
وأشارت القناة إلى أن كتب سياسيين مثل سيغولين روايال أو مارين توندولييه بالكاد حققت مبيعات تُذكر، في حين تتوقع دور النشر أن يحقق كتاب ساركوزي أرقاما مرتفعة. ويعود ذلك، بحسب BFMTV، إلى عناصر عدة، أهمها:
- شخصية ساركوزي المثيرة للجدل والمحافظة على قاعدة جماهيرية واسعة.
- عنصر الحدث غير المسبوق، رئيس سابق يروي تجربته داخل السجن.
- اقتراب الاستحقاقات السياسية في فرنسا، ما يجعل كتب السياسيين أدوات تأثير إضافية.
وتضيف القناة أن معظم الكتب السياسية تنشر لأهداف انتخابية أو اتصالية، غير أنّ حالة ساركوزي تبقى "ظاهرة خاصة" في السوق الفرنسية.