سياسة

هجوم سيدني.. "أحمد البطل" في مواجهة "منفذ صامت"

نشر
blinx
شهدت أستراليا واحدة من أكثر الهجمات دموية في تاريخها الحديث، بعدما قُتل 15 شخصا وأُصيب العشرات في إطلاق نار استهدف حشدا كان يشارك في الليلة الأولى من عيد الحانوكا، العيد اليهودي الذي يمتد ثمانية أيام.
ووقعت الهجمات في وقت متأخر من مساء الأحد، ما حول مناسبة دينية إلى مشهد دموي هز البلاد بأكملها.
وقالت شرطة ولاية نيو ساوث ويلز إن أحد المسلحين قُتل في مكان الحادث بعد تدخل الشرطة، بينما أُصيب المسلح الثاني بجروح بالغة ونُقل إلى المستشفى وهو في حالة حرجة، حيث وُضع قيد الاحتجاز. وأضافت الشرطة أن التحقيقات لا تزال جارية لتحديد ملابسات الهجوم وتسلسل الأحداث التي أدت إلى سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا خلال ساعات قليلة.
وأعطى تطور التحقيقات لاحقا بعدا إضافيا للهجوم، بعدما كشفت الشرطة ووسائل إعلام أسترالية أن المنفذين هما أب وابنه، في ما وصفته الصحف المحلية بعملية نفذها اثنان من العائلة نفسها، وهو عنصر صدم الرأي العام الأسترالي وأثار تساؤلات واسعة حول طبيعة الهجوم وخلفياته.

من هما المشتبه بهما؟

ذكرت صحيفة التلغراف البريطانية أن المسلحين اللذين نفذا إطلاق النار في منطقة بونداي بيتش هما أب وابنه، وفق ما أعلنته الشرطة الأسترالية.
وقد جرى التعرف على المنفذين على أنهما نافيد أكرم، البالغ من العمر 24 عاما، ووالده ساجد أكرم، 50 عاما، اللذان فتحا النار خلال احتفال بعيد الحانوكا في سيدني، ما أدى إلى مقتل 15 شخصا.
وأفادت الصحيفة بأن الأب قُتل بعد أن أطلقت عليه الشرطة النار في موقع الهجوم، بينما نُقل الابن إلى المستشفى حيث يخضع للعلاج تحت حراسة أمنية مشددة.
وأضافت أن الشرطة داهمت منزل العائلة في منطقة بونيريغ، الواقعة على بعد نحو 50 كيلومترا غرب بونداي، بعد ساعات من المجزرة، في عملية وصفت بأنها جزء من التحقيقات العاجلة في أسوأ هجوم تشهده أستراليا منذ مجزرة بورت آرثر عام 1996.
ونقلت صحيفة صنداي مورنينغ هيرالد عن والدة نافيد، فيرينا، قولها إن ابنها "ولد صالح"، مؤكدة أنه لا يحمل سلاحا ولا يخرج كثيرا من المنزل ولا يختلط بأصدقاء، ولا يشرب الكحول أو يدخن. وأضافت: "هو يذهب إلى العمل، ثم يعود إلى المنزل، ثم يذهب للرياضة، وهذا كل شيء، أي شخص يتمنى أن يكون لديه ابن مثل ابني".
وأشارت الصحيفة إلى أن الأم قالت إنها لم تتمكن من التعرف على ابنها في صورة التُقطت في موقع إطلاق النار، مؤكدة أنها لا تصدق أن يكون متورطا في أي نشاط عنيف أو متطرف.

هوايات الصيد والملاكمة

وبحسب التلغراف، أبلغ الأب والابن أفراد العائلة بأنهما ذاهبان في رحلة صيد إلى خليج جيرفيس، على بعد نحو 200 كيلومتر جنوب سيدني، خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وأضافت الصحيفة أن نافيد كان يعمل كعامل بناء بالطوب، لكنه فقد وظيفته بعد إفلاس الشركة التي كان يعمل لديها، وكان يبحث عن عمل في الأسابيع الأخيرة.
وذكرت صحيفة الغارديان، في نسختها الأسترالية، أن صاحب العمل الذي وظفه قبل ست سنوات قال إنه كان عاملا مجتهدا ولم يكن يأخذ إجازات، مشيرا إلى أن نافيد أبلغه قبل شهرين تقريبا أنه كسر معصمه أثناء الملاكمة ولن يتمكن من العمل حتى عام 2026.
وقال ربّ العمل إن نافيد طلب الحصول على جميع مستحقاته المالية دفعة واحدة، مضيفا: "كثير من العمال يفعلون ذلك في نهاية العام، لكن الآن لا يمكنك إلا أن تتساءل عمّا كان ينوي فعله بكل ذلك المال".
وقال صاحب العمل، الذي رفض الكشف عن اسمه، إنه كان يعلم أن نافيد "من خلفية مسلمة"، لكنه لم يكن يتحدث كثيرا عن الدين في موقع العمل.
كما نقلت الغارديان عن عامل بناء آخر وصفه لنافيد بأنه كان شخصا "غريب الأطوار" لكنه مجتهد في عمله، مضيفا أنه كان مهتما بالصيد. وأشار العامل إلى أن السلطات لم تعلن أن نافيد كان يحمل رخصة أسلحة، لكنه قال إن زميله كان يتحدث عن صيد الأرانب وحيوانات أخرى في مناطق ريفية جنوب الولاية.
وأضافت التلغراف أن والدة نافيد قالت إنه كان لديه أصدقاء كثر في فترة مراهقته أثناء دراسته في مدرسة كابراماتا الثانوية، لكنه لم يكن اجتماعيا، وكان يفضل قضاء وقته في الصيد والغوص والسباحة.
وذكرت الصحيفة أنه ظهر في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي عام 2022 يفيد بإتمامه دراسات في القرآن في معهد المراد في هيكنبرغ بغرب سيدني، قبل أن يُحذف المنشور لاحقا.

إدانات واسعة وإشادات بالشجاعة الفردية

في خضم الهجوم، برز اسم أحمد الأحمد، الذي وصفته هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي بـ "البطل"، بعدما أظهر مقطع فيديو موثق قيامه بالانقضاض على أحد المسلحين وانتزاع السلاح منه.
ونقلت شبكة 7 نيوز أستراليا عن ابن عمه مصطفى قوله: "إنه بطل، 100% بطل. أصيب بطلقين، أحدهما في ذراعه والآخر في يده".
وأضاف في تحديث لاحق أن حالته مستقرة، لكن الأطباء لا يزالون يقيّمون وضعه الصحي.
وأظهر الفيديو المتداول على نطاق واسع المسلح وهو يطلق النار من خلف شجرة نخيل قرب جسر صغير للمشاة، قبل أن يندفع أحمد الأحمد نحوه ويطرحه أرضا وينتزع السلاح من يده. وبعد ذلك، رفع أحمد يده في الهواء في إشارة للشرطة ليوضح أنه ليس أحد المهاجمين. وأشارت بي بي سي إلى أن المسلح نفسه شوهد لاحقا وهو يلتقط سلاحا آخر ويعاود إطلاق النار.
وخلال مؤتمر صحافي، أشاد رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز، كريس مينز، بشجاعة أحمد الأحمد، قائلا: "هذا الرجل بطل حقيقي، ولا شك لدي في أن كثيرين ما زالوا على قيد الحياة الليلة بفضل شجاعته".
كما قال رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيزي، إن الأستراليين "اندفعوا نحو الخطر لمساعدة الآخرين"، واصفا إياهم بالأبطال.
ومن جانبه، أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال حفل في البيت الأبيض، بتصرف أحمد الأحمد، معربا عن "احترامه الكبير" له.

مراجعة قوانين السلاح في أستراليا

ذكرت صحيفة الغارديان أن الابن كان معروفا لدى شرطة نيو ساوث ويلز والأجهزة الأمنية، في حين كان الأب يحمل رخصة أسلحة نارية من الفئة AB، مسجلا باسمه ستة أسلحة نارية.
وقالت الشرطة إن جميع هذه الأسلحة جرى ضبطها، مشيرة إلى أن أربعة منها، يُعتقد أنها تشمل بندقية وشوزن، صودرت في موقع الهجوم في بونداي، بينما عُثر على أسلحة أخرى خلال مداهمة منزل في منطقة كامبسي جنوب غرب سيدني.
وأوضح مفوض شرطة نيو ساوث ويلز، مال لانيون، أنه لا يوجد ما "يشير إلى أن أيّا من الرجلين كان يخطط للهجوم"، مؤكدا أن الأب كان يحمل رخصة سلاح منذ نحو عشر سنوات.
وأضاف رئيس وزراء الولاية، كريس مينز، أن تغييرات على قوانين السلاح "شبه مؤكدة"، مشيرا إلى أن الشرطة تحقق فيما إذا كان هناك خلل في الأنظمة المعمول بها سمح باستخدام أسلحة مرخصة في هجوم إرهابي.

البعد الإسرائيلي والإيراني

نقلت صحيفة إسرائيل هيوم أن السلطات الإسرائيلية تدرس المسؤولية عن الهجوم، وسط مخاوف من أن يكون قد نُفذ بتوجيه من دولة أجنبية أو منظمات مسلحة.
وذكرت الصحيفة أن الهجوم جاء في ظل توتر متصاعد بين أستراليا وإيران، عقب سلسلة من الهجمات المشتبه بأنها موجهة من طهران ضد أهداف يهودية داخل البلاد.
وأشارت الصحيفة إلى أن مسؤولين إسرائيليين لمحوا إلى إيران بوصفها المشتبه الرئيسي في حال ثبت تورط دولة، مع فحص روابط محتملة بجماعات مثل حزب الله وحماس، وفق تقارير إعلامية إسرائيلية.
ونقلت "إسرائيل هيوم" عن مسؤول أمني إسرائيلي كبير قوله إن "النشاط الإيراني لتنسيق هجمات ضد أهداف إسرائيلية ويهودية حول العالم ازداد في الأشهر الأخيرة"، مضيفا أن التحقيقات تشير إلى أن "الاتجاه والبنية التحتية" للهجوم في بونداي بيتش "انطلقت من طهران".
وفي السياق نفسه، ذكرت صحيفة التلغراف أن بعض أنصار النظام الإيراني احتفلوا بالهجوم على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أشاد أحد المنشورات بنافيد أكرم واصفا إياه بـ"أكثر أبناء جيل الألفين اجتهادا حتى اليوم".
وأشار التقرير إلى أن أستراليا صنفت الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية الشهر الماضي، وأن رئيس الوزراء الأسترالي طرد السفير الإيراني في أغسطس وعلق عمل السفارة الأسترالية في طهران، متهما إيران بتجنيد مجرمين لتنفيذ هجمات معادية للسامية على الأراضي الأسترالية.
وأضاف ألبانيزي أن طهران وجهت ما لا يقل عن هجومين بالحرق العمد خلال العام الماضي، استهدفا كنيسا في ملبورن ومطعما يهوديا في سيدني، معتبرا أن هذه الأفعال "محاولات خطيرة لتقويض التماسك الاجتماعي وزرع الانقسام داخل المجتمع الأسترالي".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة