سياسة

تجار يتحكمون بإمدادات غزة.. الحصار تحول إلى احتكار؟

نشر
blinx
ذكرت صحيفة إل باييس الإسبانية، في تحقيق موسع، أن مجموعة من الشركات تفرض عمولات مرتفعة على إدخال السلع الأساسية إلى قطاع غزة. وبحسب التقرير، فإن هذه الشركات تتولى تنسيق إدخال الشحنات التجارية عبر المعابر، سواء كانت مواد غذائية أو وقودا أو مستلزمات استهلاكية، مقابل مبالغ تدفع عن كل شاحنة.
وأشار التقرير إلى أن بعض هذه العمولات تصل إلى عشرات آلاف الدولارات للشاحنة الواحدة، ما يرفع الكلفة النهائية للسلع قبل وصولها إلى الأسواق داخل القطاع.
ونقلت الصحيفة عن تجار فلسطينيين قولهم إن إدخال البضائع أصبح "مشروطا بالمرور عبر وسطاء محددين"، ما يجعل التعامل مع هذه الشركات أمرا شبه إلزامي.
كما أوضح التحقيق أن هذه العمولات لا تشمل فقط كلفة النقل، بل أيضا رسوم "التنسيق" والانتظار والفحص، وهي عناصر تضاف تباعا إلى سعر السلعة النهائي، وفق ما ورد في إل باييس.

الاحتكار في النقل

يقدم تقرير مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، OCCRP، تفصيلا أوسع لدور شركات نقل، وقال سبعة تجار فلسطينيين إن هذه الشركات تستفيد من وضع احتكاري فعلي، حيث لا يمكن إدخال البضائع من دون المرور عبرها.
وأوضح مستورد لحوم يدعى إياد البزم أن الشركات كانت تتقاضى قبل الحرب ما لا يقل عن 5 آلاف دولار للشاحنة الواحدة، لكنها رفعت الأسعار لاحقا إلى مستويات أعلى بكثير، مضيفاً أن "الأسعار تضاعفت أربع مرات مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب".
ونقل التقرير عن مسؤول رفيع في وزارة الاقتصاد التابعة لحكومة حماس قوله إن هذه الشركات تمتلك حقا حصريا لإدخال السلع والمساعدات عبر رفح منذ عام 2018، وإنها رفعت رسومها إلى ما يصل، وفق روايات التجار، إلى ستة أضعاف ما كانت عليه سابقا.
كما أشار المسؤول إلى فرض رسوم انتظار يومية تصل إلى 75 دولارا للشاحنة، إضافة إلى تكاليف أخرى مرتبطة بتجاوز طوابير الانتظار.
وأوضح OCCRP أن كلفة الشحنة الواحدة قد تصل في بعض الحالات إلى نحو 40 ألف دولار قبل دخولها غزة، عند جمع رسوم النقل والانتظار والتنسيق.

الوسطاء داخل غزة وارتفاع الأسعار في الأسواق

إلى جانب شركات النقل، يلعب الوسطاء داخل غزة دورا مركزيا في سلسلة التوريد، وفق تقرير OCCRP. وأشار التحقيق إلى أن المال "يقتطع في كل مرحلة من مراحل السلسلة التجارية"، من النقل إلى التخزين ثم البيع بالتجزئة.
وذكر التقرير مثال سائق الأجرة وسام شعث، من مدينة رفح، الذي قال إنه كان يشتري علبة حفاضات لأطفاله بنحو 6 دولارات قبل الحرب، بينما وصل سعرها لاحقاً إلى 55 دولارا، ما دفعه لمحاولة تصنيع حفاضات يدويا.
كما نقل التقرير شهادة هالة عمران، وهي أم لثمانية أطفال، قالت إن سعر قطعة بسكويت واحدة وصل إلى 10 شواكل، بعدما كان شيكلا واحدا قبل الحرب.
ووفق أرقام وردت في التحقيق، ارتفع سعر كيلوغرام الطماطم من نحو 30 سنتا إلى ما بين 4 و5 دولارات، وارتفع سعر صينية البيض من أقل من 3 دولارات إلى نحو 20 دولارا.

التجار بين الشركات والرسوم والقيود

تُظهر التقارير أن التجار الفلسطينيين يقفون في منتصف سلسلة معقدة من القيود. فمن جهة، هناك شركات نقل وتنسيق خارجية تفرض عمولات مرتفعة، ومن جهة أخرى، هناك رسوم وإجراءات داخلية، إضافة إلى القيود الإسرائيلية على المعابر.
وأشار تقرير OCCRP إلى أن إسرائيل سمحت لعدد محدود من المستوردين الفلسطينيين فقط بإدخال البضائع من مصر، وهو ما قال مسؤول في وزارة الاقتصاد في غزة إنه يتيح لهؤلاء المستوردين اقتطاع ما يصل إلى 30 بالمئة من قيمة الشحنات التي ينقلونها لصالح شركات أخرى.
في المقابل، نفى بعض هؤلاء المستوردين أنهم يستفيدون من احتكار، وقالوا إن بضائعهم تصادر أحيانا أو تباع بأسعار تحددها السلطات، وفق ما ورد في التحقيق.

دخول السلع التجارية عبر قوافل المساعدات الإنسانية

أشارت صحيفة إل باييس إلى أن جزءا من السلع التجارية التي تباع لاحقا في أسواق غزة لا يدخل دائما عبر قوافل تجارية مستقلة، بل يأتي أحيانا ضمن شاحنات مصنفة على أنها مساعدات إنسانية.
وبحسب التحقيق، فإن هذا الأسلوب يستخدم في ظل القيود الصارمة المفروضة على دخول البضائع التجارية، ما يجعل قوافل الإغاثة إحدى القنوات القليلة المتاحة لعبور السلع إلى القطاع.
وذكرت الصحيفة أن تجارا ومسؤولين محليين تحدثوا عن اختلاط الشحنات، حيث تضم بعض القوافل مواد إغاثية مخصصة للتوزيع المجاني، إلى جانب سلع يعاد توجيهها لاحقا إلى الأسواق التجارية. وأوضحت إل باييس أن هذه السلع تمر عبر المسار الإنساني نفسه من حيث التفتيش والتنسيق، قبل أن تفرز داخل القطاع.
وبحسب التقرير، فإن هذا النمط يعقد عملية تتبع السلع، إذ يصبح من الصعب التمييز، بعد دخول الشاحنات، بين ما هو مخصص للمساعدات المجانية وما سيباع عبر التجار.
كما نقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن هذا الواقع يساهم في توسيع دور الوسطاء الذين يتولون استلام الشحنات وتوزيعها، سواء إلى نقاط الإغاثة أو إلى الأسواق.
وأكد تحقيق إل باييس أن هذه الآلية لا تعني بالضرورة أن جميع شاحنات المساعدات تُستخدم لأغراض تجارية، لكنها تظهر كيف أصبح المسار الإنساني، في ظل القيود المفروضة، جزءا من شبكة أوسع لإدخال السلع إلى غزة، سواء للاستهلاك المجاني أو للبيع، وفق ما تتيحه ظروف التنسيق والتفتيش.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة