من بوكيلي إلى ميلي.. زعماء يعيدون تشكيل السياسة اللاتينية
شهدت أميركا اللاتينية خلال عامي 2024 و2025 تحولا سياسيا مع صعود قوى يمينية ومحافظة إلى السلطة في عدد متزايد من الدول، في ما وصفته
صحف غربية بـ "المد الأزرق"، في تراجع واضح لما عرف مطلع الألفية بـ"المدّ الوردي" اليساري.
تزامن هذا التحول مع نتائج انتخابية متتالية، تغير في أولويات الناخبين، وتداخل متزايد مع سياسات الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب، وفق تقارير نشرتها صحف ومجلات من بينها التايمز، الغارديان ونيويوركر.
أفادت صحيفة
التايمز البريطانية بأن قادة يساريين لم يفوزوا بأي انتخابات رئاسية في المنطقة خلال عام 2025. وذكرت أن دولا مثل بوليفيا، الإكوادور، هندوراس، وتشيلي انتخبت رؤساء محافظين، فيما أطاحت معظم هذه الانتخابات بحكومات يسارية قائمة، باستثناء الإكوادور حيث أُعيد انتخاب الرئيس دانيال نوبوا.
وفي منطقة الكاريبي، خسر رئيس وزراء سانت فنسنت والغرينادين رالف غونسالفيس، الذي حكم البلاد 24 عاما، الانتخابات لصالح المعارضة ذات التوجه الوسطي اليميني. كما أشارت الصحيفة إلى أن كولومبيا قد تشهد فوزا محافظا في الانتخابات المقبلة، في حين بدت البرازيل استثناء مؤقتا مع استمرار تقدم الرئيس اليساري لولا دا سيلفا في استطلاعات الرأي.
ورافق التقرير خريطة توضح التحول السياسي بين عامي 2023 و2025، مظهرة انتقال عدد واسع من الدول من معسكر اليسار إلى اليمين، لا سيما في أميركا الجنوبية.
صعود قادة يمينيين جدد ونماذج "القبضة الصارمة"
سلطت مجلة
نيويوركر الضوء على فوز السياسي المحافظ خوسيه أنطونيو كاست في تشيلي، واعتبرته إضافة جديدة إلى "نادي" القادة اليمينيين في أميركا اللاتينية، إلى جانب خافيير ميلي في الأرجنتين، ونجيب بوكيله في السلفادور.
وذكرت المجلة أن كاست أصبح أكثر رئيس يميني يتولى الحكم في تشيلي منذ الجنرال أوغستو بينوشيه، مشيرة إلى مواقفه المتشددة في قضايا الهجرة، الأمن، والضرائب.
وفي الأرجنتين، برز الرئيس خافيير ميلي بسياساته الاقتصادية الراديكالية، بما في ذلك إلغاء نصف الوزارات الحكومية، واعتماده خطابا معاديا للطبقة السياسية التقليدية. وذكرت نيويوركر أن ميلي عبر عن ولاء سياسي واضح للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأن الولايات المتحدة قدمت للأرجنتين دعما ماليا بمليارات الدولارات خلال ولايته.
أما في السلفادور، فأشارت
التايمز إلى أن الرئيس نجيب بوكيله يتمتع بنسبة تأييد داخلي تتجاوز 85% بعد سياساته الأمنية التي أدت إلى سجن نحو 3% من السكان الذكور، وهو ما جعل البلاد، وفق التقرير، "شبه خالية من الجريمة". وأظهرت استطلاعات منظمة "لاتينوبارومتر" أن بوكيله يحظى بأعلى نسبة دعم شعبي بين قادة المنطقة.
وفي السياق نفسه، ذكرت صحيفة
فايننشال تايمز أن هذا الصعود الانتخابي ترافق مع تراجع خطاب العدالة الاجتماعية لصالح وعود "النظام والأمن وسرعة الحسم"، وهي عناوين باتت حاضرة بقوة في الحملات الانتخابية بعد سنوات من الإحباط الاقتصادي وتصاعد الجريمة.
دور الولايات المتحدة، ترامب، وفنزويلا
ربطت صحيفة
الغارديان، في مقال للكاتبة جوردانا تيمرمان، التحول اليميني في أميركا اللاتينية بعودة نفوذ الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب، معتبرة أن واشنطن باتت تمارس سياسة "مكافأة الدول المطيعة ومعاقبة غير المنصاعة".
وذكرت أن إدارة ترامب استخدمت أدوات مثل العقوبات، الرسوم الجمركية، والدعم المالي للتأثير في نتائج سياسية وانتخابية داخل المنطقة.
وأشارت الغارديان إلى أن ترامب لعب دورا مباشرا في بعض السباقات الانتخابية، سواء عبر الدعم العلني لمرشحين محافظين أو التهديد بقطع المساعدات.
كما أوضحت أن زعماء مثل ميلي، بوكيله، ونوبوا اصطفوا بوضوح إلى جانب واشنطن، وحصلوا في المقابل على دعم سياسي وأمني.
من جهتها، أكدت التايمز أن انهيار فنزويلا شكّل عاملا حاسما في تحول الرأي العام، موضحة أن الاقتصاد الفنزويلي انكمش بنحو 75% منذ 2013، وأن أكثر من ثمانية ملايين فنزويلي هاجروا إلى دول الجوار.
وذكرت أن وجود هؤلاء المهاجرين، وما يحملونه من روايات عن الأزمة، أصبح حاضراً في الحملات الانتخابية، حيث سعى مرشحون يمينيون إلى ربط اليسار المحلي بتجربة فنزويلا.
كما أوردت الصحيفة أن قضايا الهجرة والجريمة المنظمة تصدّرت اهتمامات الناخبين، لا سيما مع ارتفاع معدلات القتل في دول كانت تُعد آمنة نسبياً مثل تشيلي والإكوادور، وهو ما استثمره مرشحون محافظون بخطابات أمنية متشددة.