قصر بوتين في فالداي.. حين تختلط الأسطورة بالأمن والترف والغموض

لم ينقض شهر ديسمبر من عام 2025 حتى عاد اسم فلاديمير بوتين إلى صدارة العناوين، لا بسبب تطور ميداني على جبهة أوكرانيا، بل على خلفية ما وصفته موسكو بمحاولة هجوم أوكراني بطائرات مسيّرة استهدفت "الإقامة الرئاسية" للرئيس الروسي في منطقة نوفغورود.

وبينما سارعت كييف إلى نفي الرواية، التي اعتبرها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "كذبة جديدة من الكرملين"، أعادت الحادثة فتح واحد من أكثر الملفات غموضا في سيرة الرجل القوي في موسكو، وهي ملف ممتلكاته الخاصة وعلى رأسها مجمع فالداي السري.

لا يعتبر فالداي مجرد مقر استراحة رئاسية عادية تقع على ضفاف بحيرة هادئة على بعد أكثر من ثلاثمئة كيلومتر جنوب سان بطرسبرغ، بل هي مساحة معقدة يتداخل فيها الرسمي بالخاص والأمني بالترف السياسي بالمالي، وفق ما كشفته تحقيقات صحافية روسية ومعارضة استندت إلى صور أقمار صناعية ووثائق ملكية وتسريبات من داخل الموقع.

رسميا، يمتلك بوتين ست إقامات رئاسية مرتبطة بوظيفته من بينها الكرملين ومجمع نوفو أوغاريوفو غرب موسكو ومقر غوركيو، فيما كانت داتشا سوتشي الصيفية قد دمرت عام 2024. أما على المستوى الخاص فتنسب إليه عدة ممتلكات من بينها قصر ضخم في غيليندجيك على البحر الأسود وفيلا سيلغرن في خليج فنلندا. غير أن إقامة فالداي تبقى الأكثر إثارة للجدل لأنها تجمع بين صفة "الإقامة الرئاسية" وواقع الملكية الخاصة.

في هذا الشأن، نقلت صحيفة لوفيغارو الفرنسية عن مؤسسة مكافحة الفساد التابعة للمعارض الراحل أليكسي نافالني أنّ مجمع فالداي يمتد على مساحة نحو 250 هكتارا.

وقد تم تسجيل 150 هكتارا منها باسم الدولة الروسية، ما يتيح انتشار الأجهزة الأمنية بلا قيود و100 هكتار أخرى مسجّلة باسم شركة خاصة تدعى" برايم" تعود ملكيتها ليوري كوفالتشوك أحد أقرب المقرّبين من بوتين والمساهم الرئيسي في بنك روسيا.

على القسم الأرضي شيّدت مستودعات وحظائر ومنازل ضيافة ومرائب ومبان خدمية. وفي صيف 2025 ظهرت صور أقمار صناعية لما لا يقل عن 12 منظومة دفاع جوي من طراز "بانستير أس" حول المجمع بعضها نصّب على أبراج مرتفعة.

هذه المنظومات التي تجمع بين صواريخ ومدافع سريعة الإطلاق لا تُنشر عادة إلا لحماية مواقع شديدة الحساسية، بحسب لوفيغارو، ما عزز فرضية أن فالداي ليست مجرد استراحة بل مقر إقامة فعلي للرئيس الروسي في مراحل حساسة من الحرب.

أما القسم الخاص من المجمع فيحمل طابعا مختلفا تماما، إذ يفيد تقرير لوفيغارو عن وجود أكثر من 80 مبنى بينها قصر رئيسي من أربعة طوابق بمساحة تناهز 3500 متر مربع إضافة إلى جناح صيني الطراز وكوخ خشبي تقليدي وحمامات وساونا وإسطبل خيول وملعب غولف وكنيسة أرثوذكسية ومطعم فخم يضم صالة سينما وبولينغ وكازينو خاص وحتى منطقة ألعاب مائية للأطفال.

غير أن أكثر ما يلفت الانتباه هو المجمع الحراري الضخم القريب من القصر الرئيسي وهو عبارة عن منشأة تمتد على مساحة سبعة آلاف متر مربع بطابقين تحت الأرض تضم مسابح داخلية وخارجية وغرف علاج بالتبريد وأحواض تدليك ومركز طب تجميلي وعيادة أسنان وغرف طين علاجي، وفقا للصحيفة الفرنسية.

وتقول مصادر صحافية إن الطابق العلوي وحده يحتوي على قاعة استقبال بمساحة 200 متر مربع وصالون فخم يتجاوز 500 متر مربع إضافة إلى مصعد مخصص لنقل الطعام وحوض أسماك ضخم.

في عام 2023، كشف موقع برويكت الاستقصائي الروسي بعدا أكثر حساسية بنشر صور تعود إلى عام 2005 قال إنها التُقطت داخل القصر وتظهر قاعات طعام وموسيقى ومكاتب خاصة.

لكن المفاجأة الكبرى تمثلت في الكشف عن بناء قصر خشبي مستقل بمساحة 1200 متر مربع بدءا من عام 2020 ليس لبوتين نفسه بل لما وصف بأنه مخصص لعشيقته المفترضة ألينا كاباييفا، بطلة أولمبية سابقة ونائبة سابقة عن حزب روسيا الموحدة.

وتلاحق كاباييفا شائعات حول علاقة شخصية مع بوتين منذ منتصف العقد الأول من الألفية رغم النفي الرسمي المتكرر.

وبحسب برويكت فإن أدلة غير مباشرة تؤكد وجودها الدائم في فالداي من بينها تذاكر قطارات لمساعديها بين موسكو والمجمع إضافة إلى شهادات مصادر مطلعة على تصميم القصر تؤكد أنه صُمم ليكون مسكنا لها ولأطفالها.

لم يكن وجود الأطفال تفصيلا عابرا، فبين عامي 2016 و2021 تم إنشاء ساحة ألعاب ضخمة وسط الغابة بألوان زاهية كما أقيم مسار سباق كارتينغ صيفي في موقع مهبط مروحيات قديم.

وتشير التحقيقات إلى أن بوتين أمر حتى بإنشاء خط سكة حديدية سري وقطارات خاصة مخصصة لنقل المقربين إليه بعيدا عن أعين العامة.