أديان
.
قد يبدو الانضمام لجوقة في الخمسينيات من العمر أمر منتقد في نظر البعض، إلا أنه محوري تمامًا في نظر شموئيل كام (٥٢ عاما)، إذ أنه بهذه الطريقة، يُحي إرث أجداده على الممتد من آلاف السنوات.
كام، من أحفاد اللاويين، الذي لطالما نُسبت إليهم أداء مهام خاصة داخل هيكل سليمان وفقًا للمعتقدات اليهودية، كعزف الموسيقى وغناء الترانيم.
يتدرب اليوم كام وسط جوقة حديثة الإنشاء من أبناء اللاويين، الذين لا يستهدفون إحياء الطقس الديني فقط، بل إعادة تشييد الهيكل في باحة المسجد الأقصى، ويعتبر أن تحقيق حُلمه بات قريبًا فيقول :"أعتقد أنني سأرى إعادة بناء الهيكل في حياتي. هذا أمر لا مفرّ منه".
"جوقة الهيكل" أثناء التدريبات (المصدر: وكالة فرانس برس)
تدريبات "جوقة الهيكل" استعدادًا لإعادة تشييد "هيكل سليمان"
ينضم اليهود اللاويون للجوقة اتباعًا لإرث قديم
وفقًا للعقيدة اليهودية ينتمي اليهود اللاويون لنسل أحد أبناء النبي يعقوب
عجول حمراء استقدمتها منظمة بناء إسرائيل للتضحية بها من أجل الهيكل
تعتني المنظمة بالعجول وتنتظر اللحظة الملائمة
جمهور من اليهود يشاهد العجول المستقدمة من ولاية تكساس الأميركية
مستوطنون يهود أثناء جنازة
مستوطنون يهود أثناء جنازة
جمهور من اليهود يشاهد العجول المستقدمة من ولاية تكساس الأميركية
قبل بضعة أشهر فقط أسس معهد الهيكل الجوقة، استعدادًا لإعادة بناء الهيكل ومن ثم قدوم اللاويين إليه والغناء، فإعادة بناء الهيكل وفقًا لمعتقدات اليهود القوميون تمثل السبيل للخلاص وسرعة عودة المسيح.
منذ العام ١٩٨٧، يبذل المعهد الجهود لإعادة بناء الهيكل مرة أخرى ومن ثم يدرب ويعد المصلين ورجال الدين للحظة المنتظرة، كما يُشرف على تصنيع مستلزمات لطقوس العبادة كملابس الكهنة وقوالب الخبز والمباخر والآلات الموسيقية.
وبعد تدشين الجوقة، بات الأعضاء الجدد يقصدونها من مواقع شتى حول العالم للتدرب على الأغنيات والترانيم القديمة.
وفقًا لموقعه الإلكتروني، يعتبر معهد الهيكل ذاته مؤسسة مُكرسة للوصية الإلهية لبني إسرائيل، والتي تتضمن بناء "الهيكل المقدس" على "جبل موريا" في القدس، بحسب وصفه.
في ذلك السبيل، يشارك المعهد في الأنشطة التعليمية والبحثية لاستعادة الوعي بقضية الهيكل وإحياء ما يصفه بـ"الوصايا المنسية"، إلا أن الأنشطة المتعلقة بإعادة بناء الهيكل تمكنت من استقطاب العديد من الانتقادات لاسيما من اليهود، إذ أن تشييده يقع في صلب التوترات الفلسطينية الإسرائيلية.
يُعتقد أن هيكل سليمان أو "الهيكل المقدس" بني للمرة الأولى في العام 957 قبل الميلاد عهد النبي سليمان، "سليمان الملك"، وتحول لاحقًا للمركز الأوحد للتضحية في المملكة، ووفقًا لموقع الموسوعة البريطانية، يعتقد أن المبنى الأول لم يكن كبيرًا، غير أنه حظى بفناء واسع، قبل أن يُدمر للمرة الأولى على يد نبوخذ نصر الثاني، ملك بابل، الذي نفى اليهود من القدس أيضًا.
لاحقا، أصدر الملك كورش الثاني، مؤسس السلالة الأخمينية في فارس والفاتح لبابل أمرا يسمح لليهود بالعودة للقدس وإعادة بناء الهيكل، الذي بات يُعرف بـ"الهيكل الثاني" ويُعتقد أنه شكل نسخة متواضعة من المبنى الأصلي، وأُقيمت داخله طقوس دينية على أيدي عائلات منظمة من الكهنة واللاويين.
بعد قرون عدة، دُمر الـ"الهيكل الثاني" للمرة الأخيرة في العام ٧٠ ميلاديًا على أيدي الرومان، ووفقًا للمعتقدات اليهودية، يعتبر حائط البراق أو "حائط المبكى" أحد الأجزاء المتبقية منه.
ومن ثم يعتبر اليهود "جبل الهيكل" أقدس الأماكن اليهودية، إلا أنه في واقع الأمر يقع في قلب البلدة القديمة من أراض القدس الشرقية المحتلة، كما يضم مسجد قبة الصخراء والمسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين في العقيدة الإسلامية.
وبمجرد ذكر "الهيكل المقدس" وطقوسه الدينية، يظهر للسطح اسم سلالة اللاويين التي ينتمي لها شموئيل كام وسائر أعضاء "جوقة الهيكل"، إذ يُعتقد أن أجداد تلك السلالة بالذات كانوا المسؤولين عن الترانيم في "الهيكل" قبل آلاف السنوات.
وينحدر اللاويون من نسل من نسل "لاوي" أحد أبناء النبي يعقوب في العقيدة اليهودية الذين اختيروا للخدمة في الهيكل، بالتحديد لآداء بعض المهام البسيطة كعزف الموسيقى وفتح وغلق الأبواب والحراسة، بينما خُصصت المهام الرئيسية لنسل النبي هارون شقيق النبي موسى، وفقًا لموقع Chabad المتخصص في نشر التعاليم اليهودية.
وفقًا للموقع ذاته، ازدادت مكانة اللاويين بعدما تجنبوا الاشتراك في عبادة عجل بني إسرائيل الذهبي، كما كانوا يحصلوا بالفعل على بعض المزايا أثناء فترة وجود بني إسرائيل في مصر، كالإعفاء من الأعمال الشاق، والتفرغ للأنشطة الروحية، حسب العقيدة اليهودية.
لا تحظى مدينة القدس بأهمية كبرى لدى اليهود حول العالم فقط، بل أنها أيضًا مدينة محورية لدى جموع المسلمين، بالتحديد محيط المسجد الأقصى، أول القبلتين، كما أن محيط مسجد قبة الصخرة، هو الموضع الذي انطلق منه النبي مُحمد إلى السموات في رحلة المعراج وفقًا للعقيدة الإسلامية.
في الوقت ذاته، أصبحت القدس موضع صراع في ضوء الحملات الصليبية، إذ سيطر عليها ملوك أوروبا قبل أن يستعيدها السلطان الأيوبي صلاح الدين في العام ١١٨٧، وبالرغم من التقلبات ظلت السيطرة الإسلامية غالبة على المنطقة المقدسة، في ضوء الممالك والدول المتلاحقة، ما بين المملوكية والعثمانية، ووفقًا لوكالة رويترز تعتبر المنطقة اليوم وقفًا إسلاميًا يشرف عليه الأردن.
في أعقاب النكبة، وبالتحديد إبان الهزيمة العربية في العام ١٩٦٧، أصبحت مدينة القدس الشرقية القديمة ضمن الأراض المحتلة، وتدفق عليها آلاف الحجاج من اليهود تحقيقًا لأمل وحلم قديم، إلا أن سلطات الاحتلال لم تُعلنها عاصمة رسمية سوى في العام ١٩٨٠، وهى الخطوة التي لم تحظى باعتراف من المجتمع الدولي وبالتحديد الأمم المتحدة التي لا تعترف بالاحتلال بالأساس واعتبرت إعلان القدس عاصمة مخالفة للقانون وفقًا لـ فرانس ٢٤.
وفيما يدعو قرار الأمم المتحدة رقم 478 عام 1980 كافة الدول التي لديها تمثيل دبلوماسي في القدس إلى سحب بعثاتها من المدينة، قامت الولايات المتحدة بعد عقود بخطوة معاكسة حين اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل ثم أعلنت نقل سفارتها للمدينة في العام ٢٠١٨ .
في عام 2022، استقدمت منظمة يهودية يُطلق عليها "بونيه يسرائيل" أو بالعربية بناء إسرائيل، خمسة عجول حمراء من ولاية تكساس إلى إسرائيل، تستهدف المنظمة التضحية بها وفقًا للتعاليم التلمودية قبل الدخول إلى موقع "الهيكل المقدس"، فعبر دهن أجسادهم بمزيج من الماء والرماد من هذه العجول النادرة، يطهر اليهود أنفسهم.
ويعتني أعضاء المنظمة بتلك العجول، انتظارًا للحظة الملائمة، فيقول حاييم بيركوفيتس، أحد أعضاء المنظمة الذي يحمل كلا الجنسيتين الإسرائيلية والفرنسية: "نحن ندلل تلك العجول، ونحتفظ بها للوقت المناسب".
في مزرعة في شمال إسرائيل، يفحص بيطريون وحاخامات بعناية شعر هذه العجول بانتظام للتأكد من أن جلدها يبقى أحمر بالكامل أثناء نموها.
يشرح بيركوفيتس لوكالة فرانس برس، أن منظمته استحوذت بالفعل على قطعة أرض في جبل الزيتون -حي فلسطيني في القدس- وذلك استعدادًا لحرق العجول هناك والتضحية لقاء الهيكل ويُضيف: "يمكن للجميع أن يقولوا ما يريدون، لكن هنا كان مكان لليهود". وإعادة إعمار الهيكل "مسألة وقت فقط".
حتى ذلك الحين، تمنع الحاخامية الإسرائيلية زيارة اليهود الى الحرم القدسي، وفي تحدٍ لحظر الحاخامية، زار حوالى 50 ألف يهودي جبل الهيكل في العام الماضي وفقًا للمنظمة القومية الإسرائيلية "هار هابيت"، ومنذ تولّي واحدة من أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل بقيادة بنيامين نتانياهو، السلطة في ديسمبر، زار وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير باحة الأقصى مرتين للتأكيد على السيادة الإسرائيلية عليها.
في الوقت ذاته، تكرر الأمم المتحدة دعواتها في الأشهر الأخيرة لـ"احترام الوضع القائم" في الحرم الذي تحرس مداخله الشرطة الإسرائيلية، وتديره دائرة الأوقاف الإسلاميّة التابعة للأردن.
تؤكد دائرة الأوقاف باستمرار أن المسجد بساحاته موقع مسلم فقط، وتندّد بالمحاولات الإسرائيلية "لتهويده".
وفقا لمخططات معهد الهيكل، يبقى مصير المواقع الإسلامية مجهول في حالة إعادة تشييد "الهيكل الثالث"، إذ لا يظهر أي أثر للمسجد الأقصى أو قبة الصخرة في خرائط المنظمات الناشطة لإعادة بناء الهيكل، التي تؤكد بدورها عدم إمكانية بناء الهيكل سوى في باحة الأقصى، وتؤكد كلها أنه لا يمكن بناؤه إلا في الباحة.
ويتّهم مسؤول التواصل في معهد الهيكل إسحق رويفين الفلسطينيين بتأجيج "الخلاف حول جبل الهيكل" وبالمسؤولية عن العنف المتكرّر مع القوات الإسرائيلية، ويقول رويفين عن الهيكل :"كان قائما هنا، إنه المكان المختار من الله.. إنه حلم، لكن عودة اليهود الى إسرائيل كانت أيضا حلما تحوّل الى حقيقة".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة