أديان
.
يقف طفل أمام مدرسة في نيس، بجنوب فرنسا، من دون أن يكشف عن وجهه، ويروي للصحافة قصة رفاقه، وهم تلاميذ في المرحلة الابتدائية اتهموا من زملاء لهم أنهم "ليسوا مسلمين حقيقيين"، و"ببراءة" قرروا إثبات التزامهم بمعتقداتهم من خلال أدائهم للصلاة.
ما حصل فتح خطوط التواصل بين جهات رسمية فرنسية، رأت بصلاة هؤلاء الأطفال، وبحادثتين منفصلتين مشابهتين "اعتداء على علمانية فرنسا"، وأمام المدرسة في نيس اعترض بعض الأهالي على ما حصل، مشددين على أن المدرسة مكان للدراسة وليس للصلاة.
يتحدث سامي، ٢٤ عاما، عن تجربته في فرنسا، فهو ترك لبنان منذ سنتين ليتابع دراسته بباريس، وبعد أن اعتاد على الصلاة في مصلى للمسلمين في الجامعة اللبنانية على مدى ثلاث سنوات، شعر بالاستياء في فرنسا عندما لم يجد أي مكان للصلاة في كليته، وأن نظام الجامعة علماني ولا يمكن لأي شخص ممارسة شعائره الدينية في هذا المكان العام من أي ديانة كانت.
فكر سامي مرات عدة بالعودة إلى بيروت، ولكنه لاحقا تأقلم مع الوضع، عندما شعر بالمساواة مع جميع الطلاب من جميع الجنسيات والطوائف، واكتشف أن هذا النظام العلماني لا يحد من حرية تعبيره، وبعد ذلك تعرف على جامع قريب من الجامعة، يمكنه زيارته لأداة صلاته، ومن ثم العودة إلى الكلية لمتابعة تعليمه.
"تأقلم مع الوضع عندما شعر بالمساواة مع جميع الطلاب". أ ف ب
تضج الوسائل الإعلامية في فرنسا منذ الخميس، بما حصل في مكان تجمع تلاميذ في ٣ مدارس بنيس، جنوب البلاد، حيث تجمع بعض هؤلاء للصلاة والوقوف دقيقة صمت للنبي محمد. فالجمعة رد وزير التربية الوطنية، باب ندياي، على رسالة عمدة نيس، كريستيان إستروسي، الذي "ندد بما حصل في فناء ثلاث مدارس في مدينته"، واستنكر الأمر الذي اعتبره "غير مقبول" قائلا إنه "اتخذ الخطوات اللازمة على الفور"، ووصف ما حصل "بالهجوم الخطير على مبدأ العلمانية".
عمدة نيس أبلغ الوزير، الخميس، أن المفتش الأكاديمي لمدينته أفاده عن "حوادث خطرة حدثت في مدارس مختلفة" في منطقته. وفي رسالة إلى رئيسة الوزراء، إليزابيث بورن، نشرها عبر تويتر، ذكر فيها أن "بعض الأطفال في الصفين الخامس والسادس أدوا صلاة المسلمين في فناء مدرستهم ومنهم من التزم بدقيقة صمت تخليدا لذكرى النبي محمد".
وحسب المعلومات المتداولة فإن ذلك حصل في ثلاثة مدارس ابتدائية في نيس، الأولى دعوة لدقيقة صمت تخليدا لذكرى النبي محمد خلال الاستراحة، أطلقها تلميذ في الصف الرابع في مدرسة نيس في 8 يونيو.
حصل أمر مشابه تم الإبلاغ عنه في مدرستين منفصلتين، وهو الصلاة بشكل متكرر خلال الاستراحة، تؤديها مجموعة من عشرة أطفال في مدرسة، وثلاثة في مدرسة أخرى. حصل ذلك في 16 مايو و5 يونيو. و"لا توجد علاقة بين الأحداث"، حسب السلطات. إثر ذلك، تم استدعاء بعض الأهالي، وعلموا أنه لا يُسمح لأبنائهم بالصلاة في المدرسة.
في رسالته إلى إليزابيث بورن، شجب كريستيان إستروسي ما اعتبره "محاولات اقتحام متدينين لمقدسات جمهوريتنا، وهي مدارسنا". وأضاف "يجب أن يكون ردنا حازما وجماعيا". وفي بيان منفصل، قال إنه طلب من "الحكومة إطلاق حملة كبيرة لزيادة الوعي بظاهرة التطرف في المدارس، لحماية الأطفال بشكل أفضل وتدريب موظفينا".
"محاولات اقتحام متدينين لمقدسات جمهوريتنا، وهي مدارسنا". أ ف ب
اخت إحدى التلميذات في المدرسة روت لتلفزيون "بي أف أم" الفرنسي كيف كتبت المعلمات بعد الصلاة كلمة علمانية للتلاميذ على اللوح، وأخذوا يشرحون ماذا يعلمون عن هذا المصطلح.
تنبع العلمانية من فصل الدين عن الدولة، أي أن الدولة حيادية إزاء الدين ويُحظر عليها أي تدخل في شؤون الأديان المختلفة الموجودة في فرنسا. وعملا بالمثل لا يجوز للانتماء الديني الخاص بالموظفين أو المواطنين المنتفعين بالخدمات العامّة أن يؤثّر في سير الخدمات العامة. ومع ذلك، لا تعني العلمانية إنكار الديانات. فالعلمانية ليست خيارا روحانيا خاصا، بل هي الشرطُ لوجود جميع الخيارات بحد ذاته. فالعلمانية إذا هي مبدأ من مبادئ الحرية، وهي تتيح احترام الخيارات الشخصية في أعمق القضايا، في مجتمع منفتح، حسب الخارجية الفرنسية.
وتتضمن العلمانية، وهي مبدأ مؤسس للجمهورية الفرنسية ومنصوص عليها في المادة الأولى من الدستور، جوانب ثلاثة هي حيادية السلطات العامّة إزاء جميع الآراء والمعتقدات، وحرية الدين، والتعددية.
"حيادية السلطات العامّة إزاء جميع الآراء والمعتقدات، وحرية الدين، والتعددية". أ ف ب
وتعني حيادية الخدمات العامة أنه لا يمكن أن تتباين الخدمات العامة المقدمة باختلاف المعتقدات الدينية للمواطنين المنتفعين بهذه الخدمات. وتكّف الدولة عن كونها حيادية إن أظهرت للمواطنين المنتفعين بالخدمات العامة أنها تنتهج تمييزا أو تفضيلا قائما على الآراء الدينية، مما ينطوي على نتائج مهمة للموظفين العموميين. فعلى سبيل المثال، لا يجوز للموظفين العموميين في أثناء أداء مهمتهم أن يرتدوا رموزا أو أزياء تدل على اعتناقهم معتقدا معين، حسب الخارجية الفرنسية، التي تؤكد أن العلمانية مع مبادئ الحرية والمساواة، فهي تحرص على الحرية والمساوة والأخوة.
أمرت المحكمة الادارية في نيس، خلال يونيو ٢٠١٦، رئيس نيس بالسماح بافتتاح مسجد وهو الأمر الذي يعارضه رئيس البلدية بشدة. ورأت المحكمة إثر شكوى تقدم بها ممثل عن جمعية النور أن "شرط الضرورة متوفر بالنظر إلى عدم كفاية قاعات الصلاة في نيس" وحلول رمضان. واعتبرت المحكمة أن رفض كريستيان استروسي السماح بافتتاح المسجد "يشكل إساءة خطيرة وغير قانونية لحرية المعتقد".
وكان رئيس البلدية، وفق فرانس برس، وهو من حزب الجمهوريين اليميني، أعلن نهاية أبريل نيته التقاضي لمنع افتتاح المسجد لأنه بني بـ"أموال أجنبية غير مراقبة". وقال وقتها إنه "قرر رفع الأمر أمام محكمة النقض في مجلس الدولة".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة