داخل محطة الفضاء الدولية، يتحرر رواد الفضاء والعلماء من أحد أهم السمات المميزة للكواكب والأقمار والأجرام السماوية؛ قوة الجاذبية.

يجري العلماء تجاربهم داخل ما يُعرف بالمختبر المداري، الذي يسبح بدوره في مدار أرضي منخفض، وتستغرق دورته الكاملة حول الأرض ٩٠ دقيقة فقط.

يتمتع المختبر المداري أيضا بأجواء من الجاذبية الصغرى طويلة الأمد، وتمثل الجاذبية الصغرى بحسب وكالة ناسا، الحالة التي يبدو فيها الأفراد معدومي الوزن في الفضاء الخارجي.

على سطح الأرض يمكن للعلماء خلق حالة الجاذبية الصغرى لإجراء بعد التجارب، إلا أن الأجواء المُصنعة عادة ما تستمر لفترات وجيزة، بينما تعتبر الجاذبية الصغرى هي الحالة الدائمة للمختبر المداري.

في ظل غياب الجاذبية، يتمكن العلماء من إجراء تجارب فيزيائية وكيميائية وبيولوجية متحررة من القواعد الأرضية، بعضها يتعلق بصحة الإنسان والكائنات والأنظمة الحية، إذ لا تتحكم جاذبية الأرض في اتجاه نمو جذور النباتات على سبيل المثال، كما يغيب تأثير الجاذبية على الجسد البشري، كمعدلات ضربات القلب وكثافة العظام وغيرها.

في ظروف البيئية للفضاء الخارجي أيضًا، هناك هوامش من التعرض للإشعاع ومزيج من مختلف من الغازات والإلكترونات والأيونات الحرة.

غياب الجاذبية يُعطي المادة أيضًا فرصة التصرف على نحو غير معتاد، فبخار الماء لا يتصاعد لأعلى بالضرورة، وكذلك ألسنة اللهب التي تتحول لكرات، الأمر الذي يتيح إعادة دراسة ظواهر اعتيادية على سطح الأرض، كـ الغليان، والذوبان، وخلط السوائل والغاز، وتبلور البروتين وفقًا لوكالة ناسا.

إلا أن أبحاث العلماء في الفضاء الخارجي لا تتعلق بالجوانب الصحية والبيئية للجاذبية الصغرى فقط، بل يمكنهم تقديم خدمات فورية لكوكبهم في آونة الكوارث الطبيعية والأزمات البيئية، إذ يمكن للعلماء مراقبة الغلاف الجوي والكوارث الطبيعية، مع توثيق العواصف والثورات البركانية باستخدام الكاميرات المحمولة.

القدرة على الرصد والمراقبة وجمع البيانات تعطي علماء الفضاء أيضًا فرصتهم الخاصة لمجابهة ظاهرة التغير المناخي، فوفقًا لموقع المنتدى الاقتصادي الدولي، يمكن لهؤلاء العلماء أن يمدوننا ببيانات حول تغير الكتل الأرضية ودورات المياه وتغيرات الأنظمة البيئية.

في العام ٢٠١٨ استضافت مختبرات محطة الفضاء الدولية تجربة على خلايا البِطانة المكونة لأجزاء من الأوعية الدموية، واستهدفت الدراسة التأكد ما إذا كانت خلايا البِطانة المستزرعة في ظروف الجاذبية الصغرى تمثل بيئة صالحة لاختبار آثار العوامل المُستهدفة للأوعية الدموية على الأوعية الدموية الطبيعية.

ارتبطت الدراسة بعقار محدد قدمته شركة Angiex وتعتقد أنه علاجًا فعالًا للسرطان، إذ أنه حقق تراجعًا في الأورام لدى الفئران وصلت مدته لثلاث أشهر بعد الحصول على جرعة واحدة.

إلا أن مراحل اختبار العقار واجهت أزمة عدم توافر نماذج معملية لخلايا البِطانة في حالة الراحة، تمكن العلماء من اختبار آلية سمية العقار، قبل أن ينتقل لمراحل التقييم اللاحقة ومنها التجارب السريرية.

إلا أن كلمة السر جاءت في ظروف انعدام الجاذبية في الفضاء الخارجي، حيث أن الخلايا المستزرعة في ظروف الجاذبية الصغرى تتشارك في العديد من الخصائص مع خلايا البِطانة في الأج

ساد الحية، وذلك على عكس الخلايا التي تنتجها آليات محاكاة الجاذبية الصغرى على سطح الأرض.

تجربة الاستعانة بأجواء الفضاء توفر على الشركة المطورة للعقار سنوات من البحث والتجارب على الحيوانات ومن ثم تُعجل من ظهور العقار وتوفر على العملية الإنتاجية ملايين الدولارات بحسب وكالة ناسا، كما أنها تُرسخ نموذجًا جديدًا في قطاع اختبارات عقاقير الأوعية الدموية.

في أغسطس من العام ٢٠١٥، تمكن رواد فضاء لأول مرة من تناول طعام زرعوه بأيديهم، لا في حديقة منزل خلفية أو حقل أرضي تقليدي، بل في غرفة نمو الخضراوات على متن محطة الفضاء الدولية.

تمكن رواد الفضاء من زراعة خس روماني أحمر، داخل هيكل مخصص لزراعة الحدائق في ظل الجاذبية الصغرى، وبدلًا من ضوء الشمس اللازم لإتمام عملية البناء الضوئي، استخدم رواد الفضاء إضاءة الليد.

أما للتحكم في اتجاه نمو الجذور في ظل انعدام الجاذبية، فاستخدم رواد الفضاء ما بات يُعرف بوسائد النباتات التي تتحكم في إفراز وتوزيع الأسمدة، كما أن البذور مُثبته بما يتيح نمو الجذور لأسفل.

إلا أن كل تلك الجهود لم تعني بالضرورة حصول رواد الفضاء على وجبة لذيذة فعلى الرغم من أن رائد الفضاء سكوت كيلي كان قد اعتبر طعم الخس "جيد" إلا أنه شبهه بطعم "الجرجير".