في معظم البحوث والتحقيقات، تجمع المراكز والمنظمات معطياتها من خلال ملاحظات أو استبيانات تحتوي على مجموعة مختلفة من الأسئلة تهدف إلى الحصول على معلومات من المشاركين في الدراسة.

لكن الوكالة الوطنية للجريمة ببريطانيا لجأت إلى مياه الصرف الصحي للكشف عن مدى اتساع نطاق تعاطي المخدرات في بعض المدن البريطانية، حيث صرح المدير العام للوكالة، غرامي بيغار، لصحيفة ذا تايمز أن هذه الطريقة أفضل بكثير لتقييم كمية ونوع المخدرات التي يتم استهلاكها في البلاد.

وشمل التحليل، الذي تجريه الوكالة الوطنية للجريمة بشكل دوري، مياه الصرف الصحي من العاصمة لندن، وبرمنغهام، ومانشستر وليفربول. وأفادت النتائج "أن تعاطي الكوكايين تزايد بنسبة 25٪ في بعض المناطق" مقارنة مع السنة الماضية، حسب تصريح مدير الوكالة بيغار.

لكن كيف تُستخرج معلومات مهمة من مياه ملوثة؟

الحلقة الثانية من وثائقي نتفليكس كونيكتد تعتبر قنوات الصرف الصحي بمثابة "المعي الغليظ للمدن"، وتعد المياه التي تجري فيها، بالرغم من طبيعتها المقززة، مصدر معلومات هامة قد لا يعلمها المواطنون أنفسهم.

تستخدم العديد من الدول مياه الصرف الصحي للكشف عن الأمراض المنتشرة في مجتمعاتها، مثل كوفيد-19 حديثا، وعن أنواع الأدوية المستهلكة، وانتشار محدود للغاية لمرض ما مثل شلل الأطفال. تفيد حلقة وثائقي نتفليكس أنه بأخذ العينات إلى المختبر وتحليل أكثر من 100 من الجزيئيات الموجودة بها، يمكن العثور على جميع أصناف الأدوية والمواد الكيماوية.

تفصّل دراسة أسترالية مراحل عملية تحليل المياه التي تبدأ بجمع عينات أولا، ثم تصفيتها، وبعد ذلك تحميضها باستخدام حمض الكلوريد. لاحقا وفي المرحلة الرابعة، يتم إضافة مواد كيميائية أخرى ترفع من تركيز المواد المستهدفة، والتي يتم استخلاصها في نهاية المرحلة الخامسة كمواد صلبة.

.. لكن كيف تبقى المواد المخدرة أو الفيروسات داخل مياه الصرف بكل ما تحتويه من فضلات ومواد سامة مثل الكلور وأدوات التنظيف؟

بالرغم من وجود مواد كيماوية مثل الكلورين في مياه الصرف الصحي، فهي تظل تحتفظ بمواد أخرى لأن مادة الكلورين تستهدف أحياء دقيقة مثل الميكروبات والبكتيريا والفيروسات فقط، لكنها رغم ذلك لا تتمكن من قتلها جميعا.

المركز الأوروبي لرصد المخدرات والإدمان يشرح على موقعه أن تحليل مياه الصرف الصحي يعتمد بالأساس على الآثار التي يخلفها الإنسان بحيث يتم التخلص من المياه والاحتفاظ بالمواد المستهدفة.

انخفاض أسعار الكوكايين.. لماذا؟

المعلومات التي توفرها مياه الصرف الصحي، تتجاوز الجوانب الصحية والأمنية، وتصل إلى الاقتصاد وأسعار الأسواق، يرى مدير الوكالة الوطنية للجريمة أن نتائج التحاليل التي أظهرت ارتفاع استهلاك مخدر الكوكايين في بريطانيا تتماشى مع سعره الذي شهد انخفاضا السنة الماضية وذلك بسبب ارتفاع العرض.

كما يشير بيغار إلى أن استهلاك المخدرات بالمملكة المتحدة مرتفع للغاية مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، إذ تصل كمية الكوكايين المستهلكة إلى 120 طن، والهيروين إلى 40 طن.

المجاري أصدق أنباء من الإحصاءات

تعد الطريقة التي لجأت إليها الوكالة الوطنية للجريمة لتقصي استهلاك المخدرات في بعض المدن البريطانية مكملة للاستبيانات التقليدية، والتي يفيد خبراء في طرق البحث أنها لا تعكس دائما الواقع، خصوصا عندما يتعلق البحث بموضوع حساس أو معلومات شخصية لا يُفصح عنها الأشخاص عادة مثل استعمالهم المخدرات، أو رواتبهم الشهرية، أو حالتهم الصحية وتورطهم في جرائم.

يقول إيان هودر، باحث أركيولوجي بجامعة ستاندفورد، في كتابه عن تفسير الوثائق والدلائل إن "ما يقوله الناس" يختلف عن "ما يفعلوه" وهو ما قد ينطبق على مستخدمي المخدرات الذين يترددون في الإفصاح عن ممارساتهم خوفا من التورط في ملاحقات قضائية.

اعرف أكثر عن..

المخابرات الإسرائيلية والتجسس بالمجاري

حصلت الموساد على عينة من بول الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، من فندق كان يقيم فيه. بعد توجهه إلى الحمام وقضاء حاجته، ضغط على زر الماء للتنظيف، لكن المياه لم تتدفق بصوب البالوعة، بل انتهت في وعاء تم تركيبه بشكل خاص من قبل الموساد.

بعد خروج الأسد من المرحاض، دخل عملاء الموساد على الفور وأخرجوا الحاوية التي تم نقلها فورا إلى طائرة خاصة بانتظار العينة. أرسلت العينة إلى مختبر أبحاث في مستشفى بالقرب من تل أبيب وتم تحليلها وإرسال نتائجها لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك في نفس اليوم.

فاجأت تقارير الاختبار باراك لأن الأسد الذي كان يبلغ آنذاك 71 عامًا في حالة صحية حرجة، تنذر المعطيات بازديادها سوءا، وأشارت التقارير حينها إلى أن الأسد ضعيف لدرجة أنه لا يمكنه العمل إلا لساعات قليلة في اليوم.

بأخذ عينة من مياه صرف المرحاض بالفندق، تمكنت الموساد من تأكيد إصابة الأسد بداء السكري ومعرفة الأدوية التي يتناولها لعلاجه.