متحف أميركي يتخلى عن آلاف المعروضات.. والسر "بقايا بشرية"

في المجتمعات العلمية، هناك جدل دائم عن مدى أخلاقية عرض الرفات البشرية في أي إطار متحفي، وهو أمر خاضع للأخذ والرد بين مؤيدين ومعارضين، إلا أن مجموعة المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي تجتذب نوعا خاصا من الجدل، يتعلق بالطريقة التي جُمعت بها، وسياقات عرضها لأول مرة.

وتتشكل المجموعة من رفات بشرية، تعود لأميركيين أصليين، بلغ عددهم نحو ٢٢٠٠ شخص، بالإضافة إلى رفات ٥ أميركيين بالغين من أصول أفريقية. لكن ما أضفى المزيد من الجدل أن الرفات أُخذت من مقابر منطقة منهاتن المخصصة لهؤلاء الذين وقعوا تحت سطوة العبودية في العام ١٩٣٠، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

المجموعة تضم أيضا ما يُعرف باسم "المجموعة الطبية"، وهي عبارة عن رفات ٤٠٠ شخص من سكان مدينة نيويورك أيضا، إلا أن تاريخ الاستحواذ على أجسادهم حديث نسبيا؛ إذ توفي بعضهم في أربعينيات القرن الماضي، وكانوا من سكان المدينة الفقراء الذين لم يطالب أقاربهم بجثامينهم بعد الوفاة، ليتم تسليمها لكليات الطب.

لاحقا نُقلت الرفات إلى المتاحف، الأمر الذي يُعتقد الآن أنه لم يكن جائز قانونيا.

تنقسم سياسة تعامل المتحف الجديدة مع الرفات البشرية إلى 3 اتجاهات، أولها بالتأكيد إزالة الرفات البشرية من أماكن العرض، والثانية: تحسين حالة المرافق التي سوف يتم الاحتفاظ بالرفات داخلها، وأخيرا تتبع أصول بعض من أفراد تلك المجموعة، لا بصفتهم جزءا من المتحف ولكن لأنهم بشرا يجب الكشف عن هوياتهم وإعادتهم لذويهم ما إذا كان ذلك ممكنا.

للإجابة على هذا السؤال علينا العودة إلى رسالة رئيس المتحف، شون ديكاتور إلى زملائه الذي أعلن خلالها السياسة الجديدة فيما يخص الرفات البشرية.

في تلك الرسالة أكد مدير المتحف أن حوالي ٢٦٪ من المجموعة تعود لأفراد من مجتمعات الأميركيين الأصليين ممن ينظم القانون بالفعل التعامل مع رفاتهم.

وبموجب قانون حماية قبور الأمريكيين الأصليين وإعادتهم إلى وطنهم الذي صدر في العام ١٩٩٠، يتعين إعادة الرفات البشرية إلى مجتمعات الأميركيين الأصليين ذاتهم.

يقول ديكاتور إن مكتب الموارد الثقافية في المتحف تمكن بالفعل من إعادة رفات ألف شخص إلى مجتمعاتهم المحلية، بالإضافة إلى إعادة رفات ٢٠٠ شخص آخر إلى أوطانهم خارج الولايات المتحدة، ولكن يبقى على عاتق المؤسسة تحديد هوية رفات ٢٢٠٠ شخص آخرين من أجل تأمين رحلات عودتهم.

يقول شون ديكاتور الذي تولى منصبه في أبريل الماضي، إن سياقات الحصول على تلك الرفات فضلا عن عرضها كانت معيبة، مؤكدا على سبيل المثال أن أي فرد من المعروضة رفاتهم الآن ضمن المجموعة لم يوافق على مسألة العرض المتحفي، وأضاف: "أصبحت عملية جمع الرفات البشرية ممكنة بسبب الاختلال الشديد في توازن القوى".

على الجانب الآخر، استُخدمت تلك المجموعات من قبل باحثين خلال القرنين التاسع عشر والعشرين في محاولة تعزيز نظريات علمية "معيبة" على حد وصف مدير المتحف و"متجذرة في الفوقية البيضاء"، مثل محاولة تحديد اختلافات جسدية من شأنها أن تعزز نماذج التسلسل الهرمي العنصري، وأضاف رئيس المتحف في رسالته: " هذا البحث مزعج أخلاقيا وخاطئ تماما علميا".

على مدار الفترة الماضية تعرضت متاحف أخرى ومؤسسات طبية وأنثروبولوجية لمشكلات مشابهة بسبب مجموعاتها، حسب صحيفة الغارديان البريطانية، كمتحف موتر في فيلادلفيا ومتحف بيبودي في جامعة هارفارد، وكذلك متحف بنسلفانيا، الذي أفصح أيضا عن حفنة من السياسات الجديدة في التعامل مع مسألة الرفات البشرية.

وفي بيان رسمي على موقعه الإلكتروني، أعلن المتحف عن إنشاء لجنة للرفات البشرية، تتضمن مسؤولياتها معالجة المسائل المتعلقة بالرفات في سياقات البحث والتدريس والمعارض، وتطبيق سياسات "صارمة" فيما يتعلق بالمعاملة الأخلاقية للرفات البشرية، بطريقة تركز على "الكرامة الإنسانية" وتضع في الاعتبار "موافقة المتوفي" و "رغبات المجتمعات التي ينحدر منها".