علوم

أطفال من 3 آباء.. ثورة طبية تمنع أمراضًا قاتلة

نشر
blinx
في أحد مختبرات مدينة نيوكاسل البريطانية، كانت أنفاس العلماء محبوسة وهم يتابعون نبض الحياة على شاشة جهاز مراقبة لجنينٍ نما بطريقة لم يسبق لها مثيل.
لم يكن ذلك مجرّد انتصار علمي عابر، بل لحظة فارقة في مسيرة طبّ الإنجاب والوراثة، إذ ولد للمرّة الأولى في العالم أطفال يحملون الحمض النووي من 3 أشخاص، رجل وامرأتين، بهدف واحد: إنقاذهم من أمراض جينية مميتة.

بداية غير عادية.. 8 أطفال بصحة ممتازة

ولد 8 أطفال أصحاء، 4 فتيات و4 أولاد، بينهم توأمان متطابقان، في المملكة المتحدة بعد تطبيق تقنية نقل الميتوكوندريا، وهي عملية طبية مبتكرة تهدف إلى منع انتقال الأمراض الوراثية المرتبطة بالطفرات الميتوكوندرية.
وقد أجريت هذه الولادات في إطار أول تقييم سريري رسمي لهذه التقنية في العالم، وفقا لصحيفة فايننشال تايمز.
كانت النساء الـ7 اللواتي خضعن للإجراء معرّضات بدرجة عالية لنقل طفرات ضارة إلى أبنائهن، لكنّ جميع الأطفال الذين تراوحت أعمارهم بين بضعة أسابيع وأكثر من عامين أظهروا نمواً طبيعياً من دون أيّ علامات لأمراض وراثية، ما يُعدّ إنجازاً بالغ الأهمية في علم الوراثة.

لماذا تُعد الميتوكوندريا مهمة؟

الميتوكوندريا، والتي تُعرف باسم "بطاريات الخلية"، موجودة في معظم خلايا الجسم البشري، وهي المسؤولة عن إنتاج الطاقة الحيوية التي تمكّن الخلايا من أداء وظائفها. لكنها تحمل أيضاً حمضاً نووياً خاصاً بها، منفصل عن الحمض النووي الموجود في نواة الخلية.
قد يؤدي أيّ خلل في الحمض النووي للميتوكوندريا إلى أمراض خطيرة مثل ضمور العضلات، فشل القلب، الصرع، فقدان السمع، والسكري. وتشير الإحصاءات إلى أن طفلاً واحداً من كل 5 آلاف طفل يُولد وهو مصاب بخلل في جينات الميتوكوندريا، وهو ما يعني حوالي 20 ألف حالة في الولايات المتحدة وحدها.
علّق البروفيسور دوغ تيرنبول، من الفريق البحثي في نيوكاسل، على النتائج قائلاً: "إن مرض الميتوكوندريا يمكن أن يُدمّر العائلات. لكن خبر اليوم يمنح أملاً حقيقياً للنساء اللواتي يعشن تحت خطر نقل هذه الأمراض، بأنهنّ قادرات على إنجاب أطفال أصحاء".

كيف نُفّذت العملية؟

تعتمد العملية على ما يُعرف بـ"نقل النواة"، حيث تُخصّب بويضة المرأة الحاملة لطفرات ميتوكوندرية ضارّة باستخدام حيوان منوي من شريكها، ثم تُستخرج النواة من هذه البويضة المخصبة، وهي الجزء الذي يحتوي على معظم الصفات الوراثية، وتُنقل إلى بويضة متبرعة أُزيلت منها نواتها مع الإبقاء على "ميتوكوندرياتها" السليمة. بعد ذلك، يُعاد زرع الجنين الناتج في رحم الأم لإتمام الحمل بطريقة طبيعية.
يحمل الجنين الحمض النووي من الأم والأب، والحمض النووي الميتوكوندري من المتبرعة. ورغم أن البعض أطلق على هذه التقنية اسم "أطفال من ثلاثة آباء"، إلا أن العلماء يرفضون هذا المصطلح، مشيرين إلى أن الميتوكوندريا تحتوي على 13 جيناً فقط، بينما تحتوي نواة الخلية على أكثر من 20,000 جين هي التي تحدد السمات الفردية والشخصية.
لا يُسمح حالياً باستخدام تقنية نقل الميتوكوندريا إلا في دولتين فقط، المملكة المتحدة وأستراليا، وفقاً للبروفيسور جاستن هربرت من جامعة موناش في ملبورن.

آفاق علاجية واعدة بين تجديد الأنسجة ومقاومة السرطان

نقل الميتوكوندريا هو إجراء بيولوجي يسمح بنقل الميتوكوندريا من خلية إلى أخرى. وقد أثبتت هذه التقنية إمكانات كبيرة في مجالات عدّة، حددتها دراسة نشرتها مجلة Trends in Molecular Medicine في:
  • الاستقرار الأيضي واستعادة توازن الطاقة في الجسم.
  • تجديد الأنسجة وعلاج أمراض القلب والجهاز العصبي والرئة.
  • مكافحة السرطان، إذ أظهرت الأبحاث أن بعض الخلايا السرطانية تقوم بـ"سرقة" الميتوكوندريا من الخلايا المجاورة لدعم نموها ومقاومة العلاجات الكيميائية.
  • تعزيز المناعة ومواجهة الالتهابات المزمنة.
ويجري حالياً اختبار نقل الميتوكوندريا الاصطناعي والنقل بواسطة الخلايا الجذعية في تجارب سريرية واعدة حول العالم.
نتائج هذه الدراسة التي نُشرت في مجلة New England Journal of Medicine تمثل علامة فارقة في تطور الطب الوراثي، وتمنح آلاف العائلات حول العالم بصيص أمل في مواجهة أمراض كانت حتى وقت قريب بلا علاج.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة