الحزن على فقد الأحبة قد يكون قاتلا.. هكذا نقلل المخاطر
في لحظة الفقدان، ينكسر شيء في النفس يصعب ترميمه، لكن دراسة حديثة صادرة عن جامعة آرهوس في الدنمارك ونُشرت في مجلة
Frontiers in Public Health أكدت أنّ آثار هذا الانكسار لا يقف عند حدود الألم النفسي فقط، بل قد يمتد إلى الجسد وتؤدي إلى الوفاة بعد سنوات.
أوضحت الدراسة الدنماركية التي استمرت عشر سنوات أنّ الأقارب الذين يعانون مستويات مرتفعة من أعراض الحزن هم أكثر عرضة للوفاة على المدى الطويل من أولئك الذين يواجهون الحزن بدرجة أقل.
تابعت الدراسة 1,735 شخصاً فقدوا أحد أقاربهم مرض عضال، وقسّم الباحثون المشاركين إلى خمس مسارات أو “مسارات الحزن” تختلف في شدتها وطبيعتها. وأظهرت النتائج أنّ المجموعة التي استمرت لديها أعراض الحزن بشكل مرتفع (High Grief Trajectory) والتي شكّلت 6% من العينة، سجلت معدلات وفيات بلغت 21.5% بعد مرور عشر سنوات على الفقدان.
في المقابل، لم تتجاوز نسبة الوفيات في المجموعة التي عانت مستويات منخفضة من الحزن المستمر (Low Grief Trajectory) 7.3%.
وقالت الباحثة الرئيسية في الدراسة ميت كيارغارد نيلسن، من قسم الصحة النفسية بجامعة آرهوس، إنّ الأشخاص الذين يعانون أعراض حزن مرتفعة يُظهرون علامات هشاشة نفسية وصحية حتى قبل وفاة قريبهم، فهم يترددون على الأطباء العامين بمعدل أكبر، ويلجأون بشكل متزايد إلى خدمات الصحة النفسية ويتناولون الأدوية النفسية، خصوصاً مضادات الاكتئاب والمهدئات.
ووفقاً للدراسة، ارتفعت احتمالية استخدام مضادات الاكتئاب لدى هذه المجموعة بمعدل خمسة أضعاف مقارنة بالمجموعة الأقل حزناً، كما تضاعف استخدامها للمهدئات.
ما هي أعراض الحزن المطول؟
تعرّف الدراسة مستويات الحزن المرتفعة على أنها اجتماع أكثر من نصف الأعراض التسعة التي يقيسها مقياس الحزن المطوّل (Prolonged Grief-13).
وتشمل هذه الأعراض الشعور بالخدر العاطفي وفقدان المعنى في الحياة، صعوبة تقبّل الفقدان، والارتباك أو فقدان الهوية الذاتية. وقد طُلب من المشاركين تعبئة استبيانات عند انضمامهم للدراسة ثم بعد ستة أشهر وثلاث سنوات من الفقدان، ما أتاح للباحثين تتبع تطور أعراض الحزن لديهم عبر الزمن.
لم تقتصر الدراسة على قياس معدلات الوفاة فقط، بل تناولت أيضاً العلاقة بين مسارات الحزن واستخدام خدمات الرعاية الصحية. وأظهرت البيانات أنّ الأشخاص الذين ظلوا يعانون أعراضاً مرتفعة من الحزن زاروا الأطباء العامين بشكل أكبر حتى ٧ سنوات بعد الفقدان، وارتفعت احتمالية طلبهم لخدمات الصحة النفسية بنسبة قاربت ٣ أضعاف مقارنةً بالمجموعة الأقل حزناً.
وعلّقت نيلسن على هذه النتائج بقولها: "الأشخاص الذين يقعون ضمن مسار الحزن المرتفع يشكّلون فئة شديدة الضعف ويحتاجون إلى رعاية خاصة قد تبدأ حتى قبل وفاة أحبائهم".
ما هي آثار الحزن المطول على الجسم؟
أوضحت الباحثة أنّ الحزن العميق والمستمر قد تكون له آثار بيولوجية مباشرة على الجسم، إذ يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وزيادة مستويات هرمون الكورتيزول، كما قد يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري وضعف الصحة النفسية.
وتشير أبحاث سابقة إلى ما يُعرف بـ"متلازمة القلب المكسور" (Takotsubo cardiomyopathy)، وهي حالة قلبية حادة يمكن أن تقتل بعض الأشخاص عقب الصدمات النفسية الشديدة مثل فقدان شخص مقرب.
وتوصي الدراسة بضرورة أن يكون مقدمو الرعاية الصحية أكثر يقظة تجاه الأقارب المفجوعين، والعمل على رصد من تظهر عليهم علامات حزن مرتفعة في وقت مبكر، وذلك بهدف التدخل بخدمات دعم نفسي متخصصة يمكن أن تقلل من المخاطر الصحية على المدى الطويل.
كيف يمكن التقليل من المخاطر الصحية؟
وتشير نيلسن إلى أنّ هذا النوع من الدعم قد يشمل جلسات العلاج النفسي في عيادات الأطباء العامين أو إحالة الحالات الأكثر حاجة إلى اختصاصيي علم النفس، بالإضافة إلى توفير تدخلات مجتمعية تخفف من العزلة الاجتماعية التي تزيد من شدة الحزن.
ويؤكد الباحثون أنّ النتائج التي توصلوا إليها تمثل امتداداً لدراسات سابقة أظهرت أنّ فقدان أحد الأحبة قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة حتى بعد مرور سنوات طويلة على الحدث.
لكن الجديد في هذه الدراسة هو أنّها ربطت بين “مسارات الحزن” المختلفة وبين معدلات الوفاة واستخدام الرعاية الصحية بشكل دقيق وطويل الأمد، ما يعزز الحاجة إلى تدخلات طبية ونفسية مبكرة.
وتختم نيلسن قائلة: "من المهم أن نعرف أنّ الحزن ليس تجربة نفسية فقط، بل هو حالة تؤثر في الجسد والعقل معاً. هناك فئة من الأقارب المفجوعين يظلون عالقين في حزن عميق لا يزول بمرور الوقت، وهؤلاء يحتاجون إلى رعاية خاصة ومستمرة كي لا يصبح الألم النفسي خطراً يهدد حياتهم".