فلسطينيو لبنان.. النكبة نكبتان

"البحث عن فرصة عمل واحترام" هو ما يهم نرمين، في وقت لا يجد فيه اللبنانيون في خضمّ الانهيار الاقتصادي فرصاً، "فكيف الحال بلاجئين في مخيّمات وسط ظروف صعبة".

لكنّ نبرة اليأس سرعان ما تتغيّر إلى مزيج من الفخر والحماس حين تتحدّث الشابة عن يافا، وتحديداً حي المنشية مسقط رأس عائلتها، كما لو أنّها عاشت في المدينة التي نزح جدّاها منها مع مئات آلاف الفلسطينيين عام 1948.

لكن بعد 75 عاماً من "النكبة"، لا تلوح في الأفق ملامح أيّ تسوية تحفظ حقوق الفلسطينيين وحلم العودة يتلاشى تدريجياً، حتى وإن كانت "فلسطين موجودة دائماً في القلب والذاكرة"، وفق ما تقول.

في أزقة المخيم الضيقة والمكتظة، ترتفع صور حديثة لشبّان فلسطينيين قتلتهم القوات الإسرائيلية مؤخراً في الضفّة الغربية المحتلّة، وبجانبها صور قديمة للرئيس الراحل ياسر عرفات، في مؤشر على الرابط العضوي بين فلسطينيي الداخل وفلسطينيي الشتات".

بحسب مديرة وكالة الأمم المتحدة لتشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين، الأونروا، دوروثي كلاوس، فإنّ 489 ألف و292 لاجئ مسجّلون لدى الوكالة في لبنان، ويعيش هؤلاء ظروفاً صعبة فاقمها الانهيار الاقتصادي المستمرّ منذ خريف 2019 والذي بات معه ثمانون في المئة منهم تحت خط الفقر.

تقول كلاوس "ما من أفق اقتصادي أو سياسي للاجئين الفلسطينيين في لبنان"، موضحة أنّه "بغياب أمل بمستقبل ذو معنى ومع حرمانهم من حقوقهم الأساسية، فإنهم يحاولون الهجرة كلما تسنح الفرصة".

محمّد عبد الحفيظ، 29 عاماً، ويجوب أزقّة المخيّم الضيّقة على دراجته النارية "لا نتمتّع بأبسط حقوقنا ونعيش كلّ يوم بيومه". يتابع المتطوع في الدفاع المدني الفلسطيني "كنت أحلم أن أكون طبيباً أو مهندساً لكن ليس بمقدوري العمل في هذه المجالات".

يمنع لبنان اللاجئين الفلسطينيين من العمل في 39 مهنة، بينها المحاماة والطبّ والصيدلة والهندسة، كما يُمنع عليهم التملّك، وذلك خشية من أن يشكل ذلك مقدّمة لتوطينهم في لبنان ويحول دون حقّ عودتهم إلى أراضيهم.

لا يُخفي عبد الحفيظ رغبته بالهجرة، لكنّ أمله بالحصول على تأشيرة شبه معدوم، بينما خيار الهجرة غير الشرعية محفوف بالمخاطر.

يروي كيف توفّي ثلاثة شبّان من المخيّم في سبتمبر حين غرق مركب كان يقلّ عشرات المهاجرين، غالبيتهم لاجئون سوريون أو فلسطينيون ضاقت بهم سبل العيش في لبنان. يشرح "توفّوا لأنهم أرادوا أن يؤمّنوا مستقبلهم".

داخل مكتب للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حيث يمضي أوقات فراغه، لا يرى وليد عثمان، 33 عاماً، في الهجرة حلاً، متحدّثاً عن "مشروع يهدف إلى ضرب الشباب الفلسطيني عن طريق تجويعه وتقليل فرص العمل والحياة".

رفض الهجرة كحل بالنسبة لعثمان، لا يعني التخلي عن حلم استكمال التعليم، إذ يتمنّى لو استطاع دراسة العلوم السياسية "من أجل العمل في مجال الدفاع عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية"، باعتبار أنّ "فلسطين تحتاج اليوم إلى المتعلّمين والمثقفين الذين يمثّلون هذه القضية أمام العالم كلّه".

لكنّ ظروف الحياة دفعته الى التوقّف عن متابعة تحصيله العلمي في المرحلة الثانوية، لينصرف إلى تعلّم مهنة الحدادة.

قبل 75 عاماً، فرّ جدّا عثمان من قرية نحف في قضاء عكا، ثم تهجّر والداه من مخيّم تلّ الزعتر للاجئين الفلسطينيين في ضاحية بيروت الشمالية الذي سوّي بالأرض في 1976 خلال الحرب الأهلية التي استمرت بين الأعوام 1975 و1990.

خلال جولات من الحرب ذاتها، شهد مخيم شاتيلا نصيبه من المآسي مع مجزرة طالته ومخيّم صبرا المجاور إبّان الاجتياح الإسرائيلي العام 1982، ثم خلال حرب المخيّمات في 1985.

كذلك فإنّ المخيمات الفلسطينية في لبنان، وبينها شاتيلا، تؤوي قرابة ٣٠ ألف لاجئ فلسطيني فرّوا من سوريا المجاورة إثر اندلاع النزاع في هذا البلد في 2011، خصوصاً من مخيم اليرموك في جنوب دمشق، وفق وكالة أونروا التي تعاني من شح مزمن في التمويل.

لا يزال هناك قرابة 400 ألف لاجئ فلسطيني مسجّلين لدى الوكالة في سوريا، حيث يتمتّعون بحقّ العمل، مقابل 2.3 مليون مسجّلين في الأردن، حيث يحظون بالحقوق ذاتها التي يتمتع بها الأردنيون، بخلاف لبنان الذي يخشى التوطين تحت شعار ضمان حقّ عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم.