كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، النقاب مؤخرًا عن فصل جديد في الأزمة، بالتحديد في محافظة دير الزور، حيث تعمد ميليشيا القاطرجي على تجنيد مجموعات من الأطفال تتراوح أعمارهم ما بين ١٤ إلى ١٧ عامًا مقابل رواتب شهرية.

في ريف دير الزور ومنطقة الميادين السورية تمنح ميليشيا القاطرجي الأطفال ٤٠٠ ألف ليرة سورية مقابل التعاون معهم أي حوالي٤٠ دولارا أميركيا.

وفق المرصد، عادة ما يُستغل الأطفال في أعمال الحراسة وتأمين القوافل، خاصة في ضوء اضطلاع المليشيات بعمليات نقل وتهريب من مناطق قسد، قوات سوريا الديمقراطية الكردية، إلى مناطق نفوذ النظام السوري.

على الأراضي السورية، مئات آخرين كأطفال دير الزور ينضمون للفصائل المقاتلة، ويقدرهم تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن الأطفال والنزاع المسلح الصادر في يوليو من العام الماضي بحوالي ١٣٠١ طفل بينهم ٣٩ فتاة.

لإلقاء نظرة على ظروف تجنيد هؤلاء الصغار، نعود للعام ٢٠١٨ حيث التقت منظمة هيومان رايتس واتش بحوالي ٨ أسر في ثلاثة من مخيمات اللاجئين في شمال شرقي سوريا، انتقل أطفالهم، بين ١٣ و١٧ عامًا، لمواقع القتال بعد التعرض لاستمالات مختلفة من ضباط الفصائل المتحاربة.

بعض تلك الأسر لم تتواصل مع أطفالها على مدار أشهر، فيما اكتشفت لاحقًا عن طريق السلطات أن صغارها قد انتقلت إلى معسكرات التدريب استعدادًا لزيارة ساحات القاتل، إحدى الأمهات اكتشفت لاحقًا أن ابنها البالغ من العمر ١٦ عامًا كان قد توفي أثناء معارك تحرير الرقة.

أسرة أخرى ظلت بعيدة عن ابنتها مدة ٦ أشهر كاملة، ظلت خلالها تتلقى مبلغ مالي عن مشاركة الطفلة في القتال قدره ٣٠٠ دولار أميركي شهريًا، وحين فرغ صبر الأم ذهبت بنفسها إلى بوابات معسكر التدريب بحثًا عن ابنتها، فتقول "قيل لي ابنتك بخير، طلبت منهم صورة لها أو رسالة صوتية، لكننا لم نعرف أي شيء عنها سوى الراتب الذي نتلقاه".

ما بين عامي ٢٠٠٥ و٢٠٢٠ وصلت أعداد الأطفال المجندين حول العالم لخدمة الأطراف المتحاربة حوالي ٩٣ ألف طفل، فيما تعتقد منظمة اليونيسف أن الرقم الحقيقي قد يكون أكثر من ذلك بكثير.

اندماج هؤلاء الأطفال في صفوف المقاتلين يعد انتهاكًا للقانون الدولي كما تحدد اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إذ أن المحكمة الجنائية الدولية، ترى تجنيد الأطفال في القوات أو الجماعات المسلحة جريمة حرب في كل من النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.

من جهة أخرى اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام ٢٠٠٠، البروتوكول الاختياري بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، الذي تضمن العديد من الالتزامات للدول، بينها بعدم تجنيد الأطفال أقل من ١٨ عامًا لإرسالهم لساحات المعارك، وتسريح أي شخص أقل من ١٨ كان قد تم تجنيده، أو استخدامه في أعمال عدائية، مع توفير خدمات التعافي النفسي والجسدي لمساعدة هؤلاء على الاندماج في المجتمع مرة أخرى.

إلا أن بعض النشطاء في مجال التخلص من ظاهرة تجنيد الأطفال يرون أن المجتمع الدولي ما يزال لا يقدم الاهتمام للقضية، من بين هؤلاء؛ روميو دالير، القائد السابق لقوة بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى رواندا وكذلك شيلي ويتمان، المدير التنفيذي لمبادرة دالير التي تستهدف وضع حد لتجنيد الأطفال.

دلل الثنائي على التقصير الدولي في مقال مشترك، بتوقيع ١٨٠ اتفاق سلام منذ العام ١٩٨٩، ١٠ منها فقط تضمنت أحكاما متعلقة بالأطفال المتحاربين، ويشرح المقال كذلك أن المجتمع الدولي يفرز ردود أفعال على استخدام الأطفال كجنود كأن يركز على قضايا التسريح وإعادة التأهيل والدمج في حين يتعين عليه التركيز على وقف الظاهرة برمتها.

وفقًا لمنظمة اليونيسيف، لا يدفع ضيق ذات اليد وحده، الأطفال للانضمام للجماعات المسلحة حول العالم، بل أن بعض الأطفال يخطفون ويجبرون على العمل تحت مظلة تلك الجماعات أو يتعرضون للتهديد والتلاعب من قبل المسلحين، في حين يُدفع أطفال آخرون للانضمام رغبة منهم في حماية مجتمعاتهم.

أما عن الحياة داخل أسوار الجماعات المسلحة، فتتضمن وظائف عديدة للصغار من بينها الطهي والحراسة وأعمال النقل والمراسلة، لا حمل السلاح فقط، كما أن الفتيات المجندات من قبل العناصر المسلحة يعانين بشكل إضافي من تبعات ذلك الانضمام كالتعرض للاغتصاب والعنف الجنسي أو الحمل ومضاعفاته، فضلًا عن الوصم الاجتماعي ورفض المجتمع لهن، وذلك حسبما يحدد مكتب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح.

لأن الضرورات لا تُبيح المحظورات، أدانت المحكمة الجنائية الدولية في العام ٢٠٢١ الأوغندي، دومينيك أونجوين بـ ٦١ اتهاما إثر قيامه بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ارتكبها كقائد لـ "جيش الرب للمقاومة"؛ وهى مجموعة مسلحة نفذت أعمال عنف في أوغندا والدول المجاورة.

في الأصل لم يكن أونجوين قائدًا عسكريًا، بل طفلا في العاشرة من عمره بالكاد يكتشف ملامح ومعنى الحياة، عندما اختُطف من قبل الجماعة ذاتها ليصبح من بين الجنود الأطفال.

أمام المحكمة الدولية اتُهم القائد البالغ من العمر ٤١ عامًا بالقتل والخطف والتعذيب والاغتصاب والاستعباد الجنسي، وقت أن كان طفلا ثم مراهقا وشابا، وتتركز أغلب جرائمه على بدايات الألفية الجارية، وبالتحديد حملة قام بها جيش الرب للمقاومة على مخيمات للاجئين في جمهورية الكونغو الديمقراطية في العام ٢٠٠٨، واستمرت الحملة مدة ٤ أيام، قُتل خلالها٣٥٠ مدنيا، واختُطف ٢٥٠ شخصا بينهم ٨٠ طفلا على الأقل، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.

من خلال دفاعه، أصر أونجوين على أنه لم يكن المذنب الحقيقي، بل كان مجرد فردا من الآلاف الذين ارتكب "جيش الرب" للمقاومة فظائع بحقهم، وهو كان في ١٠ من عمره عندما اختطفته الجماعة ومن ثم كان مُجبرا على ما ارتكب من جرائم، كما أنه شهد مواقف مع التنظيم أصابته بالصدمة الشديدة ما يجعله غير مسؤول عن تصرفاته، إلا أن المحكمة رفضت تلك الرؤية.