يفغيني بريغوجين.. طباخ بوتين المتهم بدس السم لقادة الكرملين

يعود الاتصال ما بين بريغوجين والسلطات في بلاده لزمنٍ بعيد، العام ١٩٧٩ للدقة، لكنه لم يكن أحد حاشية الرئيس المقربين أو منفذ بعض العمليات الحاسة، بل سجين، ألقي القبض بتهمة السرقة عليه ولم يكن قد تخطى ١٨ عامًا، ورغم أن الحكم لم يُنفذ، أعاد الشاب الكرة مرة أخرى وحِكم عليه بالسجن مدة ١٣ عامًا، أمضى منها بالفعل ٩ سنوات.

وفقًا لموقع هيئة الإذاعة البريطانية، لم يبدأ ابن مدينة سان بطرسبرغ حياته كطاه سوى بعد خروجه من السجن، إذ أسس مجموعة من الأكشاك لبيع النقاق سرعان ما تحولت في غضون أعوام لمطاعم أنيقة في المدينة، يتردد عليها صفوة المجتمع.

خلال إحدى المقابلات، استرجع بريغوجين اللحظة التي بدأ فيها كل شيء، أول مرة ألتقي خلالها صاحب سلسلة المطاعم برئيس البلاد.

حدث ذلك على متن مطعم الطاه العائم، المعروف باسم "نيو آيلاند" أو الجزيرة الجديدة، حيث كان بوتين يتناول طعامه مع ضيفه رئيس الوزراء الياباني، وذكر بريغوجين كيف أُعجب بوتين بحرص مُضيفه على تقديم الأطباق للضيوف المرموقين بنفسه.

أُعجب الرئيس الروسي بالمطعم كثيرًا، كما يبدو أنه أُعجب ببريغوجين، الذي أصبح يُطلق عليه لقب طاه الرئيس، لكن على مدار أعوام زاد نطاق خدماته للنظام الروسي.

بالرغم من أن بريغوجين لم يعترف بصلته بمجموعة فاغنر رسميًا سوى في العام ٢٠٢٢، إلا أن تمويل المجموعة المثيرة للجدل يُنسب إليه منذ سنوات طوال، حيث ظهر مقاتلو فاغنر للمرة الأولى إبان الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم في العام ٢٠١٤.

وفقًا لأحد تقارير صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، يمكن تتبع آثار المجموعة منذ ذلك الحين في غير منطقة ملتهبة حول العالم، ما بين سوريا وليبيا وأفريقيا الوسط، كما أن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب تظهر للسطح كلما تردد اسم المجموعة.

الغزو الأوكراني الأخير لم يكن استثناء عن القاعدة، خاصة بعد أن شنت أوكرانيا هجومًا مضادًا ناجحًا صيف العام الماضي على القوات الروسية، ما أدى إلى تعيين الجنرال الروسي، سيرغي سوروفيكين قائدًا للعمليات في أوكرانيا.

فيما تبدو خلفية الرجلين شديدة الاختلاف، ما بين صرامة عسكرية وتاريخ إجرامي، عُرف الجنرال سوروفيكين بتصالحه مع مجموعة فاغنر وفقًا لتقرير نشرته صحيفة الإيكونمست مايو الجاري، حتى أن تعاونهم مع القوات الروسية النظامية تزايد بشدة خلال فترة قيادته، كما مُنحت اليد العليا في منطقة باخموت التي تشهد قتال محتدم، لرجال بريغوجين.

خلال الصيف ذاته، عاد زعيم فاغنر خلف الأسوار لفترة وجيزة، لكنه لم يكن متهمًا بالسرقة هذه المرة، بل مندوبًا غير متوقع عن ساحات القتال.

فأمام الخسائر الواسعة التي تكبدتها القوات الروسية سُمح لبريغوجين أن يُضيف أوجه جديدة لصفوفه، ليسوا متطوعين تقليديين، بل سجناء عُرضت عليهم حريتهم أمام الانضمام لصفوف مرتزقة مالك المطاعم.

إلا أن ربيع النفوذ لم يستمر طويلًا، ففي يناير من العام الجاري، تغيرت القيادة على الجبهة الأوكرانية مرة أخرى، ليتصدر المشهد هذه المرة الجنرال فاليري غيراسيموف.

في ظل القيادة الجديدة، بدأت شكاوى رجل فاغنر بالتصاعد جراء نقص الإمدادات، متهمًا وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو والجنرال غراسيموف بحجب الإمدادات عن رجاله.

خلال مايو الجاري، تصاعدت نبرة بريغوجين، ملوحة بمرحلة جديدة في علاقته بالكرملين، إذ نشر مقطع فيديو يظهر فيه بالقرب من عشرات الجثث زعم أنها لرفاقه من مقاتلي فاغنر الذين سقطوا أثناء العمليات.

بدا زعيم المرتزقة منفعلًا بينما وجه السُباب لشويغوو وغراسيموف متهمًا إياهم بالتسبب في إزهاق أرواح مقاتليه بحسب تقرير نشره موقع مجلة politico قال بريغوجين:"هؤلاء هم الجنود الذين فقدوا اليوم، ما تزال دمائهم ساخنة.. أنتم أيها اللعينون، لم تعطونا ذخيرة، سوف تحترقون في الجحيم".

خلال نوبة غضبه غير المسبوقة هدد الزعيم بالانسحاب ورجاله من منطقة باخموت بحلول العاشر من مايو، معتبرًا البقاء في المنطقة الساخنة بلا أسلحة أو ذخيرة حكم بالموت المحقق دون داع.

اعتبارًا من ديسمبر الماضي، قدرت الولايات المتحدة حجم الخسائر البشرية الروسية في أوكرانيا بحوالي ٢٠ ألف جندي روسي إضافة إلى ٨٠ ألف جريح بحسب politico.

بالرغم من ارتباك المشهد العسكري وأثره على حيوات آلاف الجنود والمتطوعين، يشير تقرير الإيكونومست أن الخلافات المحتدمة ترجع بالأصل إلى فشل الكرملين في تشكيل قيادة واضحة ومنظمة للعمليات في أوكرانيا.

فعلى سبيل المثال لم يعين بوتين قائد لعملياته في أوكرانيا إلا بعد مرور قرابة شهرين من انطلاق الغزو، كما أنه بدل وجه تلك القيادة ثلاث مرات قبل مرور عامًا واحدًا على حربه الأوروبية، كما شهدت القيادات الإقليمية أيضًا موجات تأرجح مشابهة.

في الوقت ذاته تلاقي لُعبة الكراسي الموسيقية هوى لدى القيادة الروسية التي تحرص على ألا يستحوذ أي طرف من القيادات على قدرًا كبيرًا من السلطة، الأمر الذي يُلقي بظلاله على تطور العمليات العسكرية.

إلا أن المنطق المتقلب ذاته قد يُحي نفوذ الشخصيات العسكرية التي تدعم أساليب فاغنر الميدانية وتؤيدها، إلا أن الصحيفة تُشير إلى احتمالية طمع بعد الشخصيات العسكرية في بسط نفوذهم على مجموعة المرتزقة، الأمر الذي يفسر محاولات بريغوجين "البائسة" لاستعادة السيطرة.

يفغيني بريغوجين متهم أيضًا بعدد من الأنشطة غير المشروعة حول العالم، إذ يُعزى إليه تأسيس وكالة أبحاث الإنترنت (IRA)، وهي شركة روسية متهمة بنشر المعلومات المضللة والدعاية الإيجابية للنظام الروسي عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة للتدخل في الانتخابات الأميركية عام ٢٠١٦.

حجز بريغوجين موقعه على قائمة مطلوبي مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد اتهامه بالتورط في مؤامرة للاحتيال على الولايات المتحدة من خلال إعاقة الوظائف القانونية للجنة الانتخابات الفيدرالية ووزارة العهد، وذلك باعتباره الممول الرئيسي لوكالة أبحاث الإنترنت، والمشرف على محاولات تدخلها في الانتخابات الأميركية.

منذ ظهورها على الساحة الدولية اتُهمت مجموعة فاغنر غير مرة بالضلوع في أنشطة غير قانونية وانتهاكات حقوق الإنسان في نطاقات عملها.

يطبق الاتحاد الأوروبي حزمة من العقوبات على بريغوجين ومجموعة من الأشخاص الروسيون المتهمون بالضلوع في الصراع شرق أوروبا بينها حجب تأشيرات الدخول وتجميد الأرصدة، كما تمنع المملكة المتحدة التعامل معه في قطاع الأعمال.