أمن
.
بحلول الثامنة من صباح اليوم الـ ٢٨ من مايو، ، افتتح ١٩٢ ألف مركز اقتراع أبوابه على الأراضي التركية لاستقبال الناخبين الأتراك، ملايين من المواطنين يحددون ملامح السنوات الخمس المقبلة في الحياة السياسية التركية، ما بين العودة لبوتقة رجب طيب أردوغان وجه السلطة الأوحد خلال السنوات العشرين الماضية، أو الانتقال لآفاق مغايرة وورشة إصلاح قومية المذاق يقدمها منافسه كمال كليجدار أوغلو.
ينخرط أردوغان وكليجدار أوغلو خلال الساعات المقبلة في جولة انتخابية تاريخية، إذ أن وصول مرشحين لجولة إعادة في الانتخابات الرئاسية يعتبر سابقة تركية بحسب فرانس برس.
جاء ذلك بفضل نسب الثنائي المتقاربة وغير المتوقعة خلال الجولة الأولى في ١٤ من مايو الجاري، إذ تفوق أردوغان البالغ من العمر ٦٩ عامًا على منافسة بخمس نقاط كاملة، وهو الرئيس الإسلامي ذو المسيرة السياسية المديدة، والمعروف بميوله المحافظة، إلا أن أردوغان الذي حصد نسبة ٤٩.٥ ٪ من الأصوات لم يتمكن من تحقيق الأغلبية اللازمة للقفز على جولة الإعادة، حسب وكالة رويترز.
تدلل تلك النسبة على الدعم الواسع الذي ما يزال أردوغان يلقاه، خاصة بين صفوف المحافظين، على الرغم من حالة التضخم التي تعانيها البلاد، وانخفاض قيمة العملة المحلية إلى عشر قيمتها أمام الدولار خلال ١٠ سنوات فقط.
اجتاز أردوغان كذلك اختبار الشعبية في المناطق المنكوبة بزلزال فبراير الماضي، الذي أودى بحياة ٥٠ ألف شخص وشرد ملايين آخرين، لكن دعم أردوغان قد تجلى في تلك المناطق.
على الجهة الأخرى، يقف موظف عمومي سابق يبلغ من العمر ٧٤ عامًا، وهو كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه بالأصل مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة، وخلال الجولة الماضية كان قد حصل على ٤٤.٩٪ من الأصوات مدعومًا بتحالف معارض قوامه ٦ أحزاب.
جاء كليجدار أوغلو، محملًا بالوعود أيضًا، خاصة إعادة إرساء قواعد النظام الديموقراطي ونظام الحكم البرلماني مع استقلال القضاء، الذي لطالما اتُهم أردوغان بتسخيره للنيل من خصومه.
إلا أن زعيم حزب الشعب الجمهوري كان قد عجز أيضًا عن تحجيم أردوغان والتفوق عليه، كما أن الأزمة الاقتصادية ووعوده بشأنها لم تمنحه نقاط التفوق.
مصير الرجلين ما يزال رهن خيارات ٦٤ مليون ناخب تركي لهم حق التصويت، ٦ ملايين من هؤلاء أجيال جديدة، يمارسون حق التصويت للمرة الثانية فقط في حيواتهم، إذ مثلت جولة الانتخابات الأولى في ١٤ مايو أولى تجاربهم مع صناديق الاقتراع.
في خارج البلاد أيضًا، هناك ٣.٤ مليون ناخب، يؤثرون في ميزان الأصوات الدقيق، إلا أنهم قد أدلوا بأصواتهم بالفعل، حسب وكالة رويترز في الفترة ما بين ٢٠ و٢٤ مايو الجاري.
ما يجعل المنافسة الانتخابية أكثر اشتعالًا هو نسب الإقبال والمشاركة المرتفعة، فخلال الجولة الأولى بلغت نسبة الإقبال ٨٧.٠٤٪ ممن لهم حق التصويت، وذلك مع نسبة حضور ٨٨.٩٪ داخل تركيا و٤٩.٤٪ للمصوتين في الخارج.
أهواء المصوتين في بعض الأحيان تأتي على نحو مغاير لتوقعات المحللين، فبالرغم من التداعيات الاقتصادية الفادحة للفترة الأخيرة من حكم أردوغان ما يزال بعض الناخبين يرونه كرمز للاستقرار، كناخب يُدعى فاروق غيغل، وهو مواطن متقاعد يقطن في إحدى مدن الجنوب الشرقي ذات الأغلبية الكردية، إلا أنه ذهب صباح اليوم للتصويت لصالح أردوغان مرة أخرى، حسبما صرح لوكالة رويترز.
وقال غيغل الذي يعتبر التصويت لأردوغان خطوة على سبيل الاستقرار:" من المهم بالنسبة لمستقبل تركيا أن يعمل الرئيس والبرلمان الذي يتمتع بأغلبيته، معًا تحت سقف واحد. لذلك صوتت لأردوغان مرة أخرى من أجل الاستقرار".
على الجهة الأخرى عبرت ربة منزل في المنطقة ذاتها عن حنقها من نظام أردوغان ورغبتها في التغيير فقالت: "التغيير ضروري للتغلب على الأزمة الاقتصادية والمشاكل التي تواجهها تركيا، لذا فقد صوتت لكليجدار أوغلو مرة أخرى. نحن متفائلون ومصممون".
في الساحة السياسية، ينقلب الخصوم لموالين والموالين لخصوم في غمضة عين، ما له أن يعيد رسم ملامح السباقات الانتخابية بين عشية وضحاها، وهو الأمر الذي اختبرته الانتخابات التركية فيما يُشبه لُعبة الكراسي الموسيقية، إذ أعلن بعض المتنافسين سابقًا على منصب رئيس الجمهورية تأييدهم لأحد المرشحين الحاليين. مما منح كلًا منهم حفنة من الأصوات الجديدة التي قد تدعمه أثناء السباق.
خلال الجولة الأولى من الانتخابات، نجح المرشح، سنان أوغان في حصاد نسبة ٥.١٧٪ من الأصوات ويعتبر من بين الشخصيات القومية المتشددة، لكنه قد أعلن تأييده لأردوغان في جولة الإعادة، حفاظًا على ما وصفه كمبدأ الكفاح المستمر ضد الإرهاب، في إشارة منه للجماعات الموالية للأكراد.
إلا أن الكتلة القومية، لا تقف على قلب رجل واحد، فالزعيم القومي أوميت أوزداغ، زعيم حزب النصر الحائز على ٢.٢٪ من الأصوات خلال الانتخابات البرلمانية الشهر الجاري، قد أعلن وقوفه في الجهة المقابلة وتأييد كمال كليجدار أوغلو.
يأتي ذلك في ضوء توجه حزب النصر المعروف بمعاداة الهجرة، الذي يأتي متوافقًا مع الوعود الانتخابية لكليجدار أوغلو، الذي وعد أن يعيد اللاجئين السوريين إلى بلادهم خلال عامين، وتحتضن الأراضي التركية ما يصل إلى ٥ مليون مهاجر، ما يزيد عن ٣ ملايين من هؤلاء، سوريون نزحوا على خلفية الحرب الدائرة منذ العام ٢٠١١.
أما بعض القطاعات الكردية ذاتها، تبدو مواقفها متأرجحة من المنافسة الانتخابية، فبعد أن كان حزب الشعوب الديموقراطي قد أيد كليجدار أوغلو رسميًا خلال الجولة الأولى، إلا أنه لم يعود لتسميته كالمنافس الذي يؤيده الحزب مرة أخرى في جولة الإعادة، وذلك بعد أن جنح كليجدار أوغلو لمحاولة استمالة أحزاب اليمين القومية، في الوقت ذاته شجع حزب الشعوب الأعضاء على رفض نظام الرجل الواحد الذي يمثله أردوغان في جولة الإعادة.
وبحسب وكالة رويترز، كانت إحدى استطلاعات مؤسسة "كوندا" المتخصصة في الأبحاث والاستشارات قد تناولت إعادة الانتخابات خلال الفترة ما بين ٢٠ و٢١ مايو الجاري، ليحصل أردوغان على نسبة ٥٢.٧٪ من الأصوات مقابل ٤٧.٣٪ لـ كليجدار، وذلك بعد توزيع الأصوات المترددة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة