أمن
.
من الممكن أن يُتهم سائح بالجاسوسية، أي مسؤول رسمي كذلك، أو مهاجر لدولة أجنبية. في الشمال الأوروبي رغم ذلك، يُلقى الاتهام بالجاسوسية على كاهل كائن غير متوقع، بالأحرى ليس شخصًا على الإطلاق، بل حوت أبيض ربما يبلغ من العمر ١٤ عامًا فقط ويجوب منطقة بحر بارنتس على غير هدى، مثيرًا التساؤلات والشكوك.
في النرويج، بات يُطلق على الحوت الضيف اسم "هفالديمير" إذ أنه ظل يتسكع ببطء قبالة السواحل النرويجية مدة ثلاث سنوات متصلة، بعيدًا عن أبناء جنسه الذي يستقر أكبر تجمع لهم في منطقة سفالبارد أقصى شمال البلاد.
هفالديمير ليست لفظة حقيقة، بل تلاعب بكلمة حوت بالنرويجية وربطها باسم الزعيم الروسي، الذي يُعتقد أن بلاده تقف خلف تواجد الحوت ذاك بالقرب من السواحل الوطنية بحسب فرانس ٢٤.
يوم الأحد الماضي، وصل هفالديمير إلى منطقة هونبوستراند، على الساحل الجنوبي الغربي للسويد، إذ يبدو أنه عدل وجهته منذ بضعة أشهر، ليبدأ في التوجه بسرعة مشهودة جنوبًا، ليبتعد أكثر عن بيئته الطبيعية، فيما بدى عصيًا على الفهم.
ظهر الحوت الأبيض الصغير تحت المجهر لأول مرة في العام ٢٠١٩، كان يبدو شديد الود، معتادًا على التعاطي مع البشر والتعامل معهم كما رصد مسؤولين من النرويج، الأمر الذي زاد من الشكوك في أن الحوت مدرب بالفعل من قبل البحرية الروسية، وربما هرب منها.
أما السبب الرئيسي، فربما كان السوار أو الحزام الملتف حول جسد الحوت الودود، والمزود بقاعدة مناسبة لتثبيت كاميرا، على إحدى القطع الملحقة بالحزام كانت قد دونت عبارة محددة بحسب صحيفة الغارديان البريطانية: "معدات سانت بطرسبرغ".
يجوب هفالديمير إحدى المناطق المائية الاستراتيجية في الشمال، بحر بارنتس الذي يطل على السواحل الروسية الأوروبية من جهة والنرويجية من الجهة الأخرى، ويخضع حراك الغواصات الروسية والغربية في المنطقة للمراقبة، خاصة وأنها تُشرف أيضًا على طريق "بحر الشمال" مختصر الرحلات بين المحيطين الأطلسي والهادئ.
بالرغم من التكهنات النرويجية آنذاك، لم يعلق الجانب الروسي على مسألة الحوت الجاسوس.
من وجهة نظر أحد علماء الأحياء البحرية، من الممكن التكهن بتفاصيل أخرى تفسر تصرفات وحركة الحوت الأبيض الودود، خاصة في رحلة انتقاله مؤخرًا إلى السويد، فوفقًا للصحيفة البريطانية يرى سيباستيان ستراند عالم الأحياء المائية، أن الحوت ربما يكون مدفوعًا بحاجاته البيولوجية خلال ذلك الانتقال السريع.
فيما يُعتقد أن الحوت يبلغ ما بين ١٣ و١٤ عامًا تعتبر تلك الفترة من حياته، فترة نشاط هرموني كبير، ربما يحثه على البحث عن شريك لحياته.
من جهة أخرى، يُعتقد أيضًا أن الحوت لم يقابل أي من أبناء فصيلته منذ العام ٢٠١٩ عندما ظهر للمرة الأولى تحت دائرة الضوء، ومن ثم يشعر بالوحدة التي تدفعه للبحث عن حيتان بيض آخرين.
خلال الأسبوع الماضي، كان مدير مصايد الأسماك بالنرويج قد أصدر بيانًا حذر فيه القوارب من الاقتراب أكثر من اللازم من الحوت، وشجعهم على إبقاء الحوت على مبعدة تجنبًا لإصابته أو قتله في أسوأ الأحوال، إذ أن الحوت قد عانى سابقًا من إصابات طفيفة، يُرجع أغلبها للاحتكاك بالقوارب وذلك حسب موقع CNN.
أكد مدير المصايد أيضًا عدم وجود نية لوضع الحوت تحت سيطرة السلطات وقال: "لقد أكدنا دائمًا أن الحوت المقصود، يحيا بحرية ولا نجد أي داعي لأسره ووضعه خلف الأسوار".
قد لا يبلغ بالحيتان الذكاء لإتمام مهمة سرية على طريقة العميل 007 وما يتبعها من مغامرات خطرة حول العالم، لكنها تتمتع بقدر من الذكاء المشهود الذي يمكنها من التواصل والعيش على نحو اجتماعي.
على سطح كوكبنا، تتمتع تلك الكائنات بسطوة كونها الأكبر على الإطلاق، فالحوت الأزرق قد يصل وزنه لـ٢٠٠ طن وفقًا لموقع ناشونال جيوغرافيك.
إلا أن أجساد الحيتان الكبيرة ليست العلامة المُميزة الوحيدة، بل تمتلك تلك الثدييات أدمغة كبيرة، فعلى سبيل المثال تشتبه النسبة فيما بين حجم الأدمغة إلى حجم الأجساد فيما بين البشر والدلافين، فالدلافين تلي البشر تمامًا في المرتبة الثانية على ذلك المقياس المعقد.
كما أن أدمغتها تحتوي على خلايا عصبية مرتبطة بقدرات إدراكية متطورة، كالتواصل والتذكر وحل المشكلات، كما أن الجهاز الحوفي بأدمغة الحيتان يبدو أكثر تعقيدًا من البشر، وهو الجزء المسؤول عن معالجة المشاعر وذلك بحسب Whale and Dolphin Conservation.
تنتهج الحيتان أيضًا سلوكيات إضافة للتواصل، تتمتع بها أغلب الكائنات ذات الأدمغة الكبيرة، إذ أنها تنجب عدد محدود من الصغار على مدار حياتها، وتمنحم قدرًا كبيرًا من الرعاية لفترات زمنية طويلة، تنقل خلالها الأم مهارات للصغار، الذين يستقلون لاحقًا عن الأمهات ويكونون حيوات خاصة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة