أمن
.
تخيل وأنت تتصفح موقع للبحث عن وظائف أن يمر عليك إعلان لشركة تكنولوجيا كبيرة، من دون أن تذكر اسمها، تطلب موظف مبيعات، والإعلان يقول "لن تجد لشركتنا موقعًا على شبكة الإنترنت، فنحن نستمتع بالبقاء تحت الرادار". ومن متطلبات الوظيفة أن يكون لديك جواز سفر أجنبي، هل ستتشجع للتقديم؟
هذا بالفعل كان إعلاناً لشركة كوادريم الإسرائيلية في رامات غان والتي وصفت نفسها في الإعلان "بشركة استخبارات إلكترونية مبتكرة ومتنامية، مع إنجازات تكنولوجية متواصلة حطمت الأرقام القياسية ونجاح تجاري". لكن السلعة الوحيدة التي تنتجها هذه الشركة هي برامج تجسس متطورة لاختراق الهواتف المحمولة.
نفس الشركة أعلنت إغلاقها وتصفية أصولها نهاية شهر إبريل الماضي في خطوة مفاجئة بعد أن فشلت في الحصول على إذن من وزارة الدفاع الإسرائيلية لتصدير منتجاتها لدول من العالم الثالث منها المغرب. فما القصة؟
اتضح استعمال كوادريم لشركة إنريتش كغطاء لصفقاتها
"راين" ويعني سيطرة هو برنامج التجسس الرئيسي لشركة كوادريم لاختراق هواتف آيفون "بصفر نقرة" أي دون الحاجة لأن يضغط صاحب الهاتف على أي رابط أو صورة.
يتملك راين نفس قدرات برنامج بيغاسوس الشهير وسيء الصيت، حيث يتيح التحكم الكامل في الهاتف الذكي المستهدف والوصول غير المقيد إلى رسائل برامج WhatsApp وTelegram وSignal ورسائل البريد الإلكتروني والصور والنصوص وجهات الاتصال، والموقع الجغرافي الدقيق للهاتف.
أما برنامج "بلو سبير" أو الرمح الأزرق، فهو واجهة ويب سهلة الاستخدام تبدو كما لو كانت لعبة فيديو رقمية. على يسار الشاشة بإمكان المستخدم الضغط على خيار القائمة وفتح "ملف حالة" جديدة، ويمكن إنشاء أكثر من مهمة في كل ملف. كل مهمة منها هي هاتف مصاب ببرنامج الاختراق. كل ملف حالة يكون له مدير وهو منشئ الملف ومشاهدين قادرين على الاطلاع على المعلومات، بالإضافة لقائمة بيضاء وأخرى سوداء لأرقام الهواتف التي يمكن أو لا يجب استهدافها.
كوادريم حظيت بأيام ازدهار ومجد في عام 2021 بحسب صحيفة هارتس الإسرائيلية مع ازدهار صادرات برامج التجسس، لكن برامجها للاختراق تم تطويرها وبيعها في الأعوام السابقة لعام 2019.
عادةً ما تعتمد برامج كوادريم في اختراقها للهواتف إما على ثغرات برمجية في أنظمة التشغيل كتطبيق imessage في هواتف آيفون أو على ثغرات في برامج المحادثة الفورية كتطبيق واتسآب أو عبر شبكات الواي فاي.
شركة إن إس أو كان لها معاملة تفضيلية
"أينما ذهب نتنياهو، لحقته شركة إن إس أو" هو عنوان تحقيق صحفي أجرته هآرتس حول صفقات بيع برنامج بيغاسوس للتجسس حول العالم.
عادةً ما تحتاج شركات الصناعات العسكرية والاستخبارات الرقمية لرخصة من وزارة الدفاع الإسرائيلية للسماح لها بعرض منتجاتها على الحكومات الخارجية، ولفترة طويلة جادلت شركات الاختراق والتجسس الإسرائيلية بأن عملاءها هم من جهات إنفاذ القانون وأن استخدام تطبيقها مقتصر على ملاحقة المجرمين والإرهابيين.
لكن مع تكشف قائمة ضحايا برامج الاختراق الطويلة، برزت صورة عكس ذلك عن استهداف صحفيين ومدافعين حقوقيين ورجال أعمال ودبلوماسيين ورؤساء دول، وهو ما طرح سؤال كيف تمكنت إن إس أو من تجاوز الرقابة الإسرائيلية؟
الإجابة هي أن شركة إن إس أو كان لها معاملة تفضيلية من قبل الحكومة الإسرائيلية التي سوقت لها حول العالم واستخدمتها كذراع خفي لتقوية علاقات إسرائيل عبر سياسة "الدبلوماسية السيبرانية" لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. لذلك، شركة كوادريم لم تستطع من التفوق على إن إس أو المدعومة حكومياً، على الرغم من كونها المنافس الرئيسي لها ببرامج اختراق تتمتع بنفس مميزات بيغاسوس. لذلك عملت كوادريم على تسويق منتجاتها في آسيا وأفريقيا والعالم العربي مع الحكومات التي لم تستطع عقد صفقات ناجحة مع إن إس أو.
شركة قبرصية لتكنولوجيا المعلومات باسم "إنريتش" تأسست عام 2017 وفق السجلات الرسمية لكن لا يوجد لها موقع إلكتروني أو منتجات واضحة.
وظيفة الشركة الأهم هي العمل كوسيط بين شركات التجسس الإسرائيلية والحكومات حول العالم لتمويه تلك الصفقات.
ويُزعم أن تلك الشركة خارجة عن اختصاص هيئات تنظيم الصادرات الدفاعية الإسرائيلية وفقاً لصحيفة هآرتس.
في عام 2020، اتضح استعمال كوادريم لشركة إنريتش كغطاء لصفقاتها عندما لجأت الشركتان للقضاء القبرصي لفض خلاف مالي حول نسب المبيعات انتهى بتسوية بمقدار 5 مليون دولار لصالح إنريتش.
بهذه الطريقة تحاول العديد من شركات التجسس الإسرائيلية إخفاء أعمالها، بينما يلجأ بعضهم لنقل مقر الشركة بشكل كامل لدول أوروبية كشركة "بريداتور" التي نشطت من قبرص ومقدونيا ويزعم بأنها باعت منتجاتها لقوات الدعم السريع في السودان. وتورطت تلك الشركة في فضيحة مؤخراً في اختراق هاتف مسؤول في شركة "ميتا" العملاقة.
طائرة إسرائيلية حكومية نقلت في شهر يوليو عام 2021 وزير الدفاع بيني غانتس لباريس، حيث جاء على عجالة لتدارك فضيحة وأزمة دبلوماسية بين البلدين. بالتزامن مع ذلك، اتصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك لإبداء قلقه واعتراضه بلهجة قوية. في ذلك الوقت، صدرت تقارير تفيد بأن الحكومة المغربية استخدمت برنامج بيغاسوس لاختراق هواتف مسؤولين فرنسيين منهم الرئيس ماكرون نفسه.
دفعت الأزمة الدبلوماسية مع فرنسا الحكومة الإسرائيلية لرفض تجديد عقد إن إس أو مع الحكومة المغربية ومنعها من استيراد أنظمة التجسس السيبرانية.
بعد أقل من شهر، زار ممثلو شركة كوادريم الرباط لتسويق أنفسهم كبديل منافس وعقد صفقة جديدة بحسب صحيفة غلوبس الإسرائيلية. وكانت تلك الصفقة المرتقبة هي الأكبر للشركة، لكنها فشلت في الحصول على إذن من وزارة الدفاع الإسرائيلية ما ساهم في انهيار كوادريم وفقاً لهآرتس.
المشهد ازداد تعقيداً لشركات التجسس الإسرائيلية في شهر نوفمبر من عام 2021 حينما قامت حكومة أوغندا باستهداف هواتف دبلوماسيين أميركيين ببرنامج بيغاسوس ما دفع الولايات المتحدة لوضع إن إس أو وشركة إسرائيلية أخرى تدعى كانديرو على القائمة السوداء.
إضافةً إلى ذلك رفعت الشركات العملاقة Apple وMeta، مالكة WhatsApp، دعاوى قضائية على شركة إن إس أو الإسرائيلية لاستخدام تطبيقاتهم في اختراق الهواتف.
مع تراكم الفضائح، حاولت الحكومة الإسرائيلية احتواء الموقف وأخبرت حلفاءها في ذاك العام بأنها قامت بخفض قائمة الدول المسموح للشركات الإسرائيلية السيبرانية الهجومية أن تبيع منتجاتها إليها من حوالي 100 دولة إلى ما يزيد قليلاً عن 35 دولة، معظمها تعتبر "ديمقراطيات غربية" على حد ما ذكرته هآرتس، حيث تضيف الصحيفة بأن ذلك القرار أدى لتدهور الصناعة المحلية وإغلاق عدد من الشركات.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة