أمن‎

اجتماع الحكومة الإسرائيلية تحت الأرض.. سر "حصن صهيون"

نشر

.

Muhammad Shehada

في غرفة مغلقة غير اعتيادية، جلس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكاميرا، وتحدث بنبرة تهديد "الواقع في منطقتنا يتغير بسرعة، نحن لسنا في حالة ركود، نحن نعدل عقيدة الحرب وخيارات العمل لدينا وفقًا لهذه التغييرات، وفقًا لأهدافنا التي لا تتغير".

لم يكن الاجتماع في تلك الغرفة ذات الجدران الخشبية والكراسي المكتبية المتواضعة مكتب رئيس الحكومة التقليدي أو قاعة اجتماعات الكابينت الأمني، بل كان في أكثر مكان محصن تحت الأرض في مركز قيادة الجيش الإسرائيلي في تل أبيب.

لكن لماذا اختار نتنياهو هذا المخبأ لعقد اجتماعه؟

المخبأ المحصن

في عام 2003، كشفت تقارير إعلامية عن قيام السلطات الإسرائيلية بحفر أنفاق طويلة في باطن تلال القدس، لتربط بين المجمع الحكومي وبين مخبأ تحت الأرض للقيادات السياسية محصن ضد الهجمات النووية.

الحصن الجديد أطلق عليه حينها اسم "مركز الإدارة الوطني" ليصبح ثاني مخبأ من نوعه معروف في إسرائيل بعد مخبأ "الحفرة" أسفل المقر الرئيسي للجيش في تل أبيب المعد للقيادات العسكرية والذي جرى استعماله في حرب 1973.

وقد حل مكان الحفرة مخبأ جديد باسم "حصن صهيون" كمقر لقيادة الجيش المركزية، وهو المكان الذي بث نتنياهو منه رسالته الأخيرة.

حين بنت إسرائيل أنفاق مخبأ القدس عام 2003، كانت رسالتها آنذاك أن إيران كثفت من جهودها للحصول على قنبلة نووية. واليوم، بعد عقدين من الزمن، جاءت رسالة نتنياهو مطابقة لذلك التحذير بأن إيران اقتربت جدا من نسبة اليورانيوم المطلوبة لصنع تلك القنبلة وأن إسرائيل قد توشك على توجيه "ضربة استباقية" لمنع ذلك.

من ورقة مكتوبة مسبقاً قرأ نتنياهو كلماته بعناية لتكون رسالته الجوهرية: "نحن على ثقة من أنه يمكننا التعامل مع أي تهديد بمفردنا"، وسط أنباء عن احتمال استئناف المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران.

اختيار المكان لبث هذا التهديد للنظام الإيراني كان على نفس قدر عناية اختيار كلمات البيان.

ففي عام 2018، عقد نتنياهو سلسلة اجتماعات حكومية من مخبأ القدس للقيادات السياسية للدلالة على حساسية عالية للمناقشات حول إيران في حينه.

عقد نتنياهو سلسلة اجتماعات حكومية من مخبأ القدس للقيادات السياسية. أ ف ب

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي اختار هذه المرة المخبأ المعد للجيش كونه مركز العمليات الجوية والحروب عالية التقنية بعيدة المدى كتحذير شديد اللهجة.

وذلك وسط تحذير مسؤولين أميركيين بداية الشهر الجاري من أن إيران على بعد 12 يوماً من الوصول لنسبة 90% من اليورانيوم المخصب، بينما ادعى وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت من أن إيران لديها القدرة على صنع خمس قنابل نووية.

وقالت صحيفة ذا إيكونوميست إن إيران تقوم ببناء منشأة نووية تحت الأرض في باطن مناطق جبلية، لكن الحكومة الإيرانية تقول إن صنع قنبلة نووية ليس من أهدافها.

"ملتزمون بالعمل ضد البرنامج النووي الإيراني، وضد الهجمات الصاروخية على دولة إسرائيل وضد إمكانية تقارب الساحتين، ما نسميه حملة متعددة الجبهات. هذا يتطلب منا النظر، إذا كان من الممكن النظر بشكل مسبق، في بعض القرارات الرئيسية التي سيتعين على مجلس الوزراء وحكومة إسرائيل اتخاذها جنبًا إلى جنب مع مؤسسة الدفاع.. هذا هو الغرض من التمرين".

قرأ نتنياهو تلك الكلمات من الغرفة المحصنة وسط تنفيذ الجيش الإسرائيلي مناورات كبرى تركز على الاستعداد لحرب متعددة الجبهات من سوريا ولبنان وإيران.

نتنياهو هاجم في وقت سابق الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) واتهمها "بالاستسلام للضغوط الإيرانية" بعد أن خلص تقريرها الأسبوع الماضي أن إيران قدمت إجابة مرضية على حالة واحدة من جزيئات اليورانيوم المشتبه بها وأعادت تركيب بعض معدات المراقبة التي تم وضعها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 والذي انسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018.

ما قصة مخبأ حصن صهيون؟

حائط مزين بصور تمثل لحظات اعتزاز للجيش من حروب إسرائيل المختلفة منذ عام 1948 حتى اليوم، وآخر عليه صور لأماكن خلابة في البلاد، وآخر كُتب فوقه اقتباس شهير لمؤسس إسرائيل، ديفيد بن غوريون، يقول: "في يد هذا الجيش، سلامة الشعب والوطن مؤتمنون الآن".

تلك محاولة لإضفاء أجواء إيجابية على مخبأ "حصن صهيون" المظلم الخالي من النوافذ، والذي استثمر الجيش المليارات في بنائه كمنشأة حديثة للغاية تستطيع استيعاب ألف جندي في وقت واحد.

استغرق حفر الحصن في أعماق الأرض نحو ١٠ سنوات تحت المبنى الرئيسي للجيش الإسرائيلي في قلب تل أبيب. وهو محمي من مجموعة متنوعة من التهديدات، بما في ذلك الهجمات النووية بحسب ادعاء الجيش الإسرائيلي.

ويوجد في المبنى ما يكفي من الطاقة والغذاء والماء لفترة طويلة، حتى لو لم يتمكن نزلاؤه من الخروج منه للتزود بالغذاء.

المخبأ هو مجمع متكامل متعدد الطوابق، يضم صالة رياضية وكنيس ومطبخ وغرف لتناول الطعام وغرفة نوم للضيوف، وغرفة لاستخدام الهواتف المحمولة، وطابق خاص بالقيادة العليا للجيش يحتوي على غرف عدة من بينها غرفة نوم خاصة برئيس الأركان مجهزة بأثاث بسيط.

المخبأ هو مجمع متكامل متعدد الطوابق يضم صالة رياضية وكنيس ومطبخ. أ ف ب

ما هدف الحصن؟

شاشات ضخمة تغطي جدار إحدى الغرف، يظهر على أحدها رسم تخطيطي ثلاثي الأبعاد لمبنى شاهق وضع على إحدى شققه علامة باللون الأحمر.

وعلى شاشة أخرى، يظهر مقطع فيديو مباشر من الجو فوق نفس المبنى من طائرة من دون طيار.

يجلس في تلك الغرفة نحو 70 شخصا معظمهم تحت سن الخامسة والعشرين ويرتدون أزياءهم العسكرية، أمامهم أجهزة كمبيوتر وهواتف أرضية وأجهزة اتصال غامضة بحسب وصف صحيفة نيويورك تايمز.

تلك الغرفة تسمى "بمركز الأعصاب" في حصن صهيون، فهي متصلة بالمخابئ الأخرى حول إسرائيل ومقرات الجيش والمنظومات الأمنية.

تقوم الإدارات العسكرية والاستخباراتية المختلفة بتغذية "المركز العصبي" ذلك بالمعلومات ويوجد ممثل في تلك الغرفة عن كل من تلك الأجهزة.

يأتي دور الغرفة في تجميع المعلومات من الوكالات المختلفة في قاعدة بيانات واحدة. أ ف ب

ثم يأتي دور الغرفة في تجميع المعلومات من الوكالات المختلفة في قاعدة بيانات واحدة وترجمتها إلى مصطلحات تشغيلية، ليعطي أحد كبار الضباط الضوء الأخضر لضرب أحد الأهداف المرصودة. ويتم بعد ذلك تدوين تلك الأهداف التي تم قصفها في "دفتر الأهداف" ليراجعه رئيس أركان الجيش مرة واحدة شهريا.

بهذا الشكل، تسهل الغرفة تلك القيام بعدد كبير من الضربات في تدفق مستمر في أي نوع من الحروب.

وقد تم تفعيل "حصن صهيون" مرة واحدة فقط في حرب إسرائيل على قطاع غزة المحاصر عام 2021 المعروفة باسم "عملية حراس الأسوار".

وقام الجيش الإسرائيلي حينها بدعوة بعض الصحفيين الأجانب من كبرى الصحف للمرة الأولى لتبييض صورته وإظهار كيفية اتخاذ القرارات بعناية وحرص وقت الحروب بعد تعرض إسرائيل لانتقادات وضغوط دولية كبيرة حتى من الإدارة الأميركية بعد استهداف أبراج سكنية مدنية وارتفاع حصيلة القتلى في غزة من المدنيين منهم 66 طفلا.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة