أمن
.
بدأ أمين المظالم، الشكاوى، في هيئة الإذاعة والتلفزيون الثانية في إسرائيل يومه صباح الاثنين بحدث غير اعتيادي: أكثر من 2000 شكوى وصلت مكتبه، تصفح الرجل تصفح الرسائل ليجدها كلها عن نفس الموضوع: مطالبة بمعاقبة القناة الإخبارية الإسرائيلية 14 بـ "تهمة تدنيس ذكرى جنود الجيش الإسرائيلي" الذين قتلوا في حادث إطلاق النار على الحدود المصرية فجر يوم السبت.
دقيقة حداد شارك فيها متظاهرون إسرائيليون أمس ضد حكومة نتنياهو. أ ف ب
قبلها بعدة ساعات، كان عشرات المتظاهرين الإسرائيليين في هرتسليا يدعون لمقاطعة القناة ١٤، وصاحبها رجل الأعمال الإسرائيلي- الروسي يتسحاق ميريلاشفيلي، رافعين ضده شعارات مثل "الإعلام ينهار" و"لا يمكن تدنيس ذكرى جنود الجيش الموتى تحت غطاء أجندة متطرفة". فما الذي حدث؟ ولماذا أغضب اليمين الإسرائيلي جموع الإسرائيليين الذين اعتبروا رأيهم يمثل إهانة للجنود القتلى والمصابين على يد المجند المصري محمد صلاح، ٢٢ عاما، في واقعة إطلاق النار بعد التوغل إلى الحدود الإسرائيلية.
حلقة من برنامج توك شو "الساعة الرابعة" الذي تذيعه القناة 14، كادت لتمر بشكل عادي وسط الحزن المخيم على إسرائيل بعد حادث إطلاق النار، لكن ما جعلها حلقة غير اعتيادية، كان تهكم المراسل العسكري والأمني هاليل بيتون روزين على حال الجيش الإسرائيلي. هذا الانتقاد قد يكون أمرا طبيعيا.
لكن غير العادي، من وجهة نظر المعترضين، كان "إلقاء اللوم على قوانين الاختلاط في الخدمة العسكرية، وأنها السبب في ما حدث فجر السبت، وتلميحه أن الجندي وزميلته قد يكونا انشغلا بعلاقة جنسية، عن التيقظ في الخدمة.
تمتد الخدمات الأمنية الإسرائيلية لـ١٤ ساعة في أيام الإجازات أو عند وصول معلومات عن عمليات تهريب. رويترز
يقول هاليل "جندي وجنديّة بمفردهما لمدة 12 ساعة في الليل. هذا خطأ من البداية. إنه أمر غير مهني. يجعل من قيم الجيش أضحوكة. كل ذلك بسبب أجندات اليسار المجنونة، نحن ببساطة نخشى قول ذلك، وهذا يضر بالجنود".
ضيف البرنامج الثاني كان النائب اليميني في الكنيست تسفي سقوط من حزب القوة اليهودي، اليمني المتطرف، اتفق على هذا الرأي لكنه أخذه لنقطة أبعد عندما قال "إنها مسألة اليمين واليسار. ينشر الجيش هذه الكتائب المختلطة لحراسة الأماكن الأقل أهمية، وهذا خطأ حقًا".
انتهت الحلقة واشتعل الغضب الإلكتروني والواقعي.
زاد من قوة الاحتجاجات تعليق لعضو الكنيست السابق يعنون ميغال، الذي أرجع موت الجنود لـ "الاستهتار"، موضحا "أسمع عن أجواء احتفالية حتى في هذه الكتائب، وتثار قضية اختلاط الرجال والنساء. هناك جنود ومجندات ومخدرات، لا أثق أن يكون جندي وجندية وحدهما في الموقع لمدة 12 ساعة"، مضيفا بسخرية "حسنا".
هذا النوع من الانتقادات لم يتوقف على بعض الأصوات اليمينية، وإنما امتد لخبراء أمنيين، انتقدوا تواجد الجنديين وحدهما في خدمة عسكرية منتصف الليل لأسباب أخرى، واعتبروا ذلك فشلا في أداء الجيش.
التواصل الأخير مع الجنديين اللذين تلاحقهما اتهامات أخلاقية من اليمين الإسرائيلي، أوري يتسحاق إلوز وليا بن نون، كان في تمام الساعة الرابعة والربع فجراً في مناوبة مدتها 12 ساعة، ولم يكتشف الجيش الإسرائيلي مصيرهما حتى الساعة التاسعة صباح السبت، ولم يتمكن الجيش من قتل الجندي المصري سوى الساعة الحادية عشرة في اشتباك قُتل فيه جندي إسرائيلي ثالث يدعى أوهاد دهان.
جنود من الجيش الإسرائيلي يطلقون مسيّرة بالقرب من مكان عملية الجندي المصري، على الحدود مع مصر. رويترز
أثارت الحادثة ٥ أسئلة كبرى في الشارع ووسائل الإعلام الإسرائيلية، للدرجة التي اعتبرها بعض المحللين الأمنيين دليلاً على "ضعف الجيش ومحدودية أجهزته":
الجنديان، أوري وليا، كانا متمركزين تلك الليلة في مركز مراقبة منفذ حدودي صغير جداً، بحيث لا يمكنه استيعابهما بشكل مريح حتى يكونا "مركّزين" في آداء العمل، ما قوّض من قدرتهما على التحرك للرد على اختراق الحاجز الحدودي، بحسب معلومات أمنية نقلتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
أما مناوبتهما الطويلة التي أنهكتهما حين وقع الحادث، فلا تتكرر كثيرا في الجيش، خاصةً عندما تضرب موجات الحر صحراء النقب في هذه الأشهر من العام، إلا في حالات محددة.
السياج الحدودي الفاصل مع مصر. رويترز
مصادر الجيش الإسرائيلي تقول إن سبب زيادة ساعات المناوبة إلى ١٢ ساعة أو أكثر، يحدث عندما تصل معلومات استخبارية محددة حول التهريب من مصر عبر السياج الحدودي، وهو ما حدث بالفعل في الليلة التي سبقت الهجوم بعدة ساعات، عندما أعلن الجيش الإسرائيلي نحو الساعة الثانية والنصف فجراً اعتراض عملية تهريب مخدرات من مصر بقيمة 400 ألف دولار.
لكن صحيفة هآرتس أبرزت أن مناوبات الجنود الطويلة تصبح "أمراً شائعاً جداً" في عطلات نهاية الأسبوع عندما يعود أغلب الجنود لمنازلهم وعائلاتهم، ويقل عدد القوات المتاحة في المنطقة بشكل كبير، ما يعني أن نوبات الحراسة يمكنها أن تستمر حتى 14 ساعة للفرد بالإضافة لحوالي ساعة أخرى إضافية هي وقت السفر إلى نقطة المراقبة الحدودية.
صباح يوم السبت، حشدت الشرطة الإسرائيلية عدة فرق من وحدة مكافحة الإرهاب فور اكتشاف جثتي الجنديين بالقرب من الحدود المصرية، لكنهم "انتظروا ساعتين حتى وصلت طائرة مروحية إلى موقع الحادث"، بحسب هآرتس فإن "تلك القوات مدربة وماهرة على نحو خاص، وبالتالي لو وصلتهم المروحية في الموعد لوصلوا لموقع الجندي المصري محمد صلاح خلال 20 إلى 40 دقيقة مقارنة بنظرائهم من الجيش الذين اشتبكوا مع الجندي بعد ساعتين من اكتشاف الجثث ما أدى لقتل جندي ثالث وإصابة آخر".
الجندي المصري محمد صلاح. الصورة من صفحته الشخصية، فيسبوك
تنقل الصحيفة عن مصادر عسكرية أنه عندما وصل خبر مقتل الجنديين للعميد بن إيتسيك كوهين، قائد الفرقة 80، قاد سيارته لموقع الحادث من منزله في ميتار، شمال شرق بئر السبع، لمدة ساعة ونصف دون أن يطلب من طائرات الهليكوبتر القتالية المساعدة في عمليات البحث والتمشيط بالمنطقة.
الجيش الإسرائيلي يقول بأن طائرات الهليكوبتر القتالية أوقفت عن الخروج في مهام عملياتية وتدريبية بعد مشكلات فنية تتعلق بالسلامة، كان يُعتقد أنها قد تؤدي لتحطم المروحيات، ويضيف مسؤولو الجيش بأن الميجور جنرال تومر بار أعطى الضوء الأخضر لإرسال الطائرات المروحية حينما علم بالخبر على الرغم من المخاطرة، لكن الوقت قد تأخر حينها بالفعل، بعد رصد موقع الجندي المصري وفقاً لهآرتس.
الإخفاق الإضافي بحسب مصادر هآرتس الأمنية، أن اقتحام القوات الإسرائيلية لمكان صلاح من مسافة بعيدة على الرغم من أن طبيعة المكان الجغرافية، لم يكن قرارا مناسبا، وهو ما وضع الجنود في مرمى النيران. تشرح المصادر الأمنية للصحيفة أن الجيش لم يرسل القوات السرية من حرس الحدود التي يتنكر عناصرها عادة على هيئة عرب ويتميزون بالمهارة والخبرة في اقتفاء الأثر، كما أن بعض الجنود المقاتلين في المنطقة لم يتم إبلاغهم بمطاردة الجندي المصري بعد العثور على جثتي إلوز وبن نون، ولم يتم إطلاع الجنود على حقيقة ما حدث، حتى بعد مقتل الجندي المصري.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة