أمن‎

١٨ مليار دولار فاتورة "الحرب النظيفة" لأوروبا ضد اللاجئين

نشر

.

Muhammad Shehada

إبراهيم مهندس سوداني شاب يعمل في شركة إنشاءات في الخرطوم، انقلبت حياته رأساً على عقب وسط الاشتباكات الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، واضطر لترك حياته والفرار من العاصمة. بعض أفراد عائلته يعيشون في إيطاليا منذ أعوام، لذلك فكر في الوصول إليهم، ولكن طريقه الوحيد لطلب اللجوء هناك هو الهجرة غير الشرعية عبر البحر من أحد دول شمال أفريقيا.

ربما تكون مصر الخيار الأقرب، لكن الرئيس عبد الفتاح السيسي أكد في لقاء قريب أنه "منذ سبتمبر 2016، لم يخرج قارب واحد عبر الحدود البحرية أو البرية لمصر إلى أوروبا". قد تكون تونس هي الحل، لكن السلطات التونسية تقول إنه خلال 3 أشهر فقط هذا العام، أوقفت نحو ١٣ ألف مهاجر حاولوا العبور من صفاقس لأوروبا عبر البحر.

قرر إبراهيم الذهاب لليبيا، على الرغم من خطر اعتراضه من السلطات المحلية، ودفع نحو 3500 دولار للمهربين لتسهيل عبوره. على متن قارب رث وقديم، يتزاحم عادة مئات المهاجرين الطامحين في حياة جديدة وآمنة. تنطلق قوارب الهجرة في عتمة الليل، وتسلك طرقا غير اعتيادية وأكثر خطورة عبر البحر لتجنب أعين السلطات.

أحد أكبر المخاوف للمهاجرين على متن السفينة هو أن ترصدهم طائرة مراقبة بدون طيار تابعة لوكالة فرونتكس الأوروبية وهم في منتصف الطريق، لأنها قد تبلغ عنهم خفر السواحل الليبي ليقوم بإعادتهم ووضعهم في معسكرات اعتقال غير آدمية، ويضيع كل جهدهم سدى.

ليبيا ليست الدولة الوحيدة المتعاونة مع أوروبا بهذا الشكل لمنع طالبي اللجوء والمهاجرين من الوصول لشواطئ إيطاليا واليونان، بل هناك العشرات من الدول التي يقوم الاتحاد الأوروبي بمنحها ملايين الدولارات من المساعدات لصنع حواجز وسدود منيعة في طريق الراغبين بالوصول لأوروبا.

في الواقع، أنفق الاتحاد الأوروبي أكثر من 10 مليار دولار لهذا المسعى بالتحديد بين السنوات 2016-2021، ويقوم الآن بإنفاق 8 مليارات أخرى منذ 2021 حتى 2027 لإحباط محاولات الهجرة من الدول النامية. فكيف تستخدم أوروبا ١٨ مليار دولار من المساعدات كـ"سلاح نظيف" ضد المهاجرين؟

ليبيا ليست الدولة الوحيدة المتعاونة مع أوروبا بهذا الشكل لمنع طالبي اللجوء

أيديها تبقى نظيفة

قانونياً، لا يستطيع الاتحاد الأوروبي أو أي من دوله الأعضاء رفض قبول طلب لجوء أو طرد لاجئ تمكن من الحصول على الحماية الدولية دون مسوغ، فمبدأ عدم الإعادة القسرية متجذر في القانون الدولي وميثاق الاتحاد. لذلك، تلجأ بروكسل لمنع طالبي اللجوء من الدول النامية من الوصول لدول الاتحاد عبر العديد من الطرق المختلفة على صعيدي الجبهة الداخلية والخارجية.

مع بدء أزمة اللجوء عام 2015، عندما عبر أكثر من مليون لاجئ ومهاجر لدول الاتحاد، سارعت بروكسل لعرض المساعدات السخية على "دول المنشأ" التي يأتي منها المهاجرون ودول الممر الرئيسية التي يعبرون منها في مقابل منع وعرقلة أفواج الهجرة. بهذا الشكل تبقى أيدي الاتحاد نظيفة بينما تقوم دول أخرى بمنع اللاجئين بالإنابة عن الأوروبيين.

الصومال والسودان كانا أكبر المستفيدين من الصندوق الأوروبي

تركيا.. نصيب الأسد

تركيا نالت نصيب الأسد من المساعدات الأوروبية في اتفاق عام 2016، والذي حصلت بموجبه على وعود بمنحها 6 مليار يورو، وصلها منها نحو 4,9 مليار حتى عام 2022. في المقابل تعهدت السلطات التركية باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمنع الهجرة غير النظامية عبر أراضيها لجزر اليونان، وأن تقبل بإعادة أي شخص يحاول العبور للجانب الأوروبي، ما يعني إغلاق طريق البلقان للهجرة.

المساعدات الأوروبية تنقسم إلى جزئين:

  • الأول يتعلق بتقديم الرعاية والحاجات الأساسية وتمكين اللاجئين في تركيا المقدر عددهم بأربعة ملايين.
  • الثاني يستهدف تشديد مراقبة وحراسة الحدود التركية مع اليونان وبلغاريا ومع دول الشرق الأوسط كالعراق وإيران، عبر زيادة عدد كاميرات المراقبة وأنظمة الرصد والتتبع المتطورة وأنظمة الإنارة الليلية وقوات الحراسة.

وفي عام 2021، أعلن المجلس الأوروبي رصد 3 مليارات يورو إضافية من المساعدات لتركيا للأعوام 2021-2023، أنفقت منها نحو 1.2 مليار في العام الماضي وحده على تأمين الحدود وتحسين ظروف اللاجئين المعيشية في تركيا لكيلا يجدوا حاجةً في السفر لأوروبا.

مثل هذه السياسات دفعت النشطاء الحقوقيين لاتهام الاتحاد الأوروبي بـ "إدارة حرب بالوكالة حيث يقوم بالاستعانة بدول خارجية للقيام "بالمهام القذرة" بينما تحافظ أوروبا على صورتها الإيجابية من حيث احترام حقوق الإنسان والمواثيق الدولية".

الاتحاد الأوروبي أنفق خارج أوروبا ما يزيد عن 15,3 مليار يورو

المساعدات لمنع الهجرة

في مدينة فاليتا في مالطا، استضاف الاتحاد الأوروبي قمة طارئة نهاية العام 2015 بمشاركة رؤساء الاتحاد وجميع حكومات الدول الأوروبية الأعضاء والدول الأفريقية. تمخض عن هذا الاجتماع إنشاء صندوق إغاثي لمواجهة مشكلة الهجرة بـ ٥ مليار يورو، في ٦ سنوات يدعى "صندوق الاتحاد الأوروبي للطوارئ في أفريقيا".

الهدف من إنشاء مثل هذا الصندوق هو تخطي الإشراف البرلماني الأوروبي والبيروقراطية وإتاحة صرف الأموال بسرعة وحرية.

القيادات الأوروبية ادعت حينها أن هدف الصندوق يكون "معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية"، عبر تطوير وتنمية اقتصاد الدول الأفريقية وخلق فرص عمل وتحسين أداء الحكومات ومعالجة ومنع النزاعات الدموية، لكي يجد الراغبون في الهجرة حياة كريمة في بلدانهم بدلاً من السفر لأوروبا. بالإضافة لخلق طرق نظامية وقانونية للهجرة لاستبدال الحاجة للسفر عبر البحر.

لكن، على أرض الواقع، تظهر الأرقام بأن الأولوية الكبرى في الإنفاق الأوروبي من هذا الصندوق كانت في منع وإغلاق طرق الهجرة غير النظامية بدلاً من تمكين الشعوب الفقيرة.

حظي تمويل مشاريع إدارة الهجرة وتأمين الحدود بالقسم الأكبر من التمويل بواقع 24% تلاه تمكين الحكومات الأفريقية وتقويتها بواقع 20% من الصندوق، بينما حظيت التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل بنحو 10% فقط من التمويل الأوروبي. وأقل من 1% أنفق على خلق طرق نظامية للهجرة. ووفقاً لمنظمة أوكسفام الدولية، فقد اعتمد الاتحاد الأوروبي انخفاض أعداد الأفارقة الواردين لأراضيه كمقياس لنجاح أداء الصندوق.

أكبر المستفيدين من الجنوب

الصومال والسودان كانا أكبر المستفيدين من الصندوق الأوروبي بين الأعوام 2016-2021 بواقع 591 و553 مليون يورو على التوالي، تبعتهم ليبيا وإثيوبيا بحوالي 396 مليون و334 مليون. بينما حصلت المغرب على 288 مليون وموريتانيا على 96 مليون وجيبوتي على 91,8 مليون، ومصر على 89,2 مليون، وتونس على 76 مليون، والجزائر على 12 مليون.

الصندوق الإغاثي ليس المصدر الوحيد للمساعدات الأوروبية لمنع الهجرة. فهو لا يشمل مساعدات الاقتصادية والتنموية التقليدية أو القروض المالية والتي تحمل شروطاً ضمنية حول تقييد الهجرة غير النظامية، كما لا يشمل المساعدات العسكرية ومساعدات الدول الأوروبية الأعضاء المباشرة لدول المنطقة.

.. تونس ولبنان في القائمة

تونس مثلاً، حصلت على مساعدات مباشرة من إيطاليا بنحو 110 مليون يورو شهر مارس الماضي لدعم موازنتها، بالإضافة لحوالي 11 مليون يورو لإيقاف موجات الهجرة عام 2020، و50 مليون يورو في نفس العام لمواجهة تداعيات وباء كورونا. وفي عام 2021، أبرم الجانبان اتفاقاً لتمويل خفر السواحل التونسي بـ ٨ ملايين يورو وتأسيس صندوق دعم بنحو 30 مليون يورو لثلاث سنوات. بينما وقعت فرنسا وتونس اتفاقاً للحصول على 206 مليون يورو لدعم الموازنة عام 2022.

مخيم للاجئين السوريين في منطقة سعدنايل، البقاع الأوسط، لبنان. أ ف ب

يضاف إلى ذلك مساعدات الاتحاد الأوروبي لدول المشرق العربي، مثل لبنان الذي حصل عام 2020 على 19,3 مليون يورو الإدارة المتكاملة للحدود ومنع الهجرة غير النظامية، والأردن التي حصلت على دعم أوروبي لمشاريع حماية الحدود والتحكم في الهجرة في عامي 2019 و2021 بمبلغ كلي حوالي 12 مليون يورو. عدا عن حزم المساعدات الاقتصادية لدول المنطقة كالعراق بهدف المحافظة على استقرار تلك الدول والحد من موجات الهجرة.

لذلك، يقدر معهد التنمية الخارجية في لندن أن الاتحاد الأوروبي أنفق خارج أوروبا ما يزيد عن 15.3 مليار يورو في الأعوام 2014-2016 لتثبيط الهجرة.

المساعدات في صورة جِمال

تفاجأ سكان قرية أكيميمي في موريتانيا على حدود مالي بوصول 250 جمل لمنطقتهم كهدية من الاتحاد الأوروبي عام 2019. الموريتانيون واجهوا الأمر بمزيج من الضحك والتهكم والسخط على هذه البادرة، لكنها كانت جزءا من حزمة مساعدات بقيمة 13 مليون يورو بهدف تأمين الحدود الصحراوية ومنع تدفقات الهجرة. على الجانب الآخر من الحدود، وصلت للمغرب أجهزة رادار أوروبية متطورة لمراقبة الحركة الحدودية والملاحة البحرية وإيقاف المهاجرين غير النظاميين.

أما في ليبيا، التي حصلت على أكثر من 420 مليون يورو لخفر السواحل والسلطات الأمنية الأخرى، فقد حصلت على أسطول من السفن الأوروبية المتطورة لمراقبة البحر المتوسط والتدريب العملي لأفراد القوات البحرية بالإضافة لإمكانية الوصول لأنظمة المراقبة الأوروبية الجوية التابعة لوكالة فرونتكس.

صندوق جديد وأموال أكثر

في عام 2021، أعلن الاتحاد الأوروبي إنشاء صندوق ضخم باسم "أداة الجوار والتنمية والتعاون الدولي (NDICI)" بمبلغ 80 مليار دولار للسنوات الست القادمة، تم تخصيص 10% منها لبرامج إدارة الهجرة في الدول المستهدفة. وبدأ الاتحاد بالفعل بإرسال المساعدات لدول المنطقة، حيث حصلت المغرب على 500 مليون يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية في عام 2022، وحصلت مصر على 100 مليون يورو لاستيعاب اللاجئين السودانيين يوم الاثنين الماضي، لكيلا يواصلوا مسيرهم نحو أوروبا. بينما عرض الاتحاد الأوروبي على الحكومة التونسية 100 مليون يورو لحراسة الحدود ومكافحة عمليات التهريب البشري والقيام بعمليات إنقاذ بحرية، وذلك بالإضافة لإقراض تونس نحو مليار يورو لإنعاش اقتصادها المتعثر.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة