أمن
.
في أكتوبر من العام ١٩٦٢، حبس العالم أنفاسه، كل المؤشرات في مجريات صراع قطبيّ العالم، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، تقود إلى استنتاج أن حربا جديدة قد تندلع في أي لحظة، حرب نووية مهلكة تأتي على كل شيء في لحظات، والسر جزيرة كاريبية صغيرة، أصغر في حجمها بعض الولايات الأميركية والمدن السوفيتية وهي كوبا.
مرت أزمة الصواريخ الكوبية وتخطاها العالم منذ ٦١ عاما كاملة، إلا أن كوبا وتحالفاتها الدولية ما تزال تزعج جارتها الشمالية، خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع الكتلة الشرقية من العالم، هذه المرة الصين هى مركز المخاوف الأميركية الجديدة.
ورجّح تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن الصين تتفاوض مع كوبا لتدشين منشأة تدريب عسكري مشتركة في الكاريبي، محيط الولايات المتحدة الاستراتيجي.
ما الذي يحدث في كوبا؟ ولماذا تشكل الجزيرة الكاريبية نقطة ضعف لواشنطن؟
على بعد أميال من الحدود الأميركية، قد تستقر تشكيلات عسكرية صينية إذا نجحت مفاوضاتها مع كوبا التي تشير تقارير استخباراتية أميركية حسب وول ستريت جورنال، أنها تمضي على قدم وساق، وبلغت مرحلة متقدمة لكنها لم تنته بعد.
المسؤولون الأميركيون يعتقدون أن تلك المنشأة العسكرية المزعومة، سوف تتيح للصين فرصة إبقاء قواتها بشكل دائم في جزيرة كوبا، بالإضافة إلى إمكانية توسيع نطاق عملياتها الاستخباراتية وجمع المعلومات والتنصت الإلكتروني في المنطقة.
من جانبها أقرت الولايات المتحدة ممثلة في البيت الأبيض في يونيو الجاري، أن الصين لديها بالفعل منشآت جمع معلومات في كوبا، مستقرة على بعد أميال منها منذ العام 2019 على الأقل.
حسب تصريحات مسؤولين من الإدارة الأميركية، تدير الصين وكوبا مجتمعتين اليوم شبكة من محطات التنصت في كوبا، بدأت بمحطة واحدة، لكنها وصلت اليوم لأربع محطات تدار بشكل مشترك.
عبر زيارة أنتوني بلينكن للصين، تحاول الولايات المتحدة رأب الصدع العميق بين البلدين، لكنها من جهة أخرى، حسب الصحيفة الأميركية، تسعى لعرقلة الاتفاق الكوبي الصيني قبل إتمامه، عن طريق التواصل المباشر بين مسؤولين في كوبا وإدارة بايدن، التي تحاول التلويح بمخاوف كوبا المتعلقة بسيادتها في ظل التعاون العميق مع الصين.
على الجهة الأخرى، لا تدخر الصين جهدا في نفي حقيقة الموضوع من الأساس، حيث نفى مسؤول بالسفارة الصينية في واشنطن علمه بأي صفقة بين الصين وكوبا فيما وصف الولايات المتحدة بالخبيرة في مطاردة الظلال في الدول الأخرى والتدخل في شئونها.
أما المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ فقد علقت خلال مؤتمر صحفي بعد سؤالها عن المفاوضات: "نأمل أن تتمكن الأطراف المعنية من التركيز بشكل أكبر على الأشياء التي تساعد على تعزيز الثقة المتبادلة والسلام الإقليمي وتنمية الاستقرار".
تحاول وزارة الخارجية الأميركية تلخيص أهدافها من العلاقة بجارتها الكاريبية على موقعها الإلكتروني، فتقول على سبيل المثال "الولايات المتحدة تسعى الولايات المتحدة إلى مشاركة محدودة مع كوبا، تعزز مصالحنا الوطنية وتمكن الشعب الكوبي، في ظل ممارسات اقتصادية مقيدة، تفيد الحكومة الكوبية أو جيشها أو استخباراتها أو أجهزتها الأمنية، بشكل غير متناسب، على حساب الشعب الكوبي".
تشي الكلمات الرسمية المنتقاة ببواعث الخلاف الممتد منذ العام ١٩٥٩ لدى اندلاع الثورة الكوبية، والإطاحة بنظام فولغينسيو باتيستا، حليف الولايات المتحدة، منذ ذلك الحين تبدل ملامح كوبا، إذ أن زعيمها الجديد فيدل كاسترو، جاء بالأجندة الاشتراكية، وتحالف جديد مع الاتحاد السوفيتي، البطل الآخر في الرواية.
بشكل أو بآخر، انتقلت ساحة الحرب الباردة ضمنيا إلي المنطقة الكاريبية، وبدأت مرحلة عض الأصابع، ففيما زادت كوبا الضرائب على الواردات الأميركية وأمّمت ممتلكات تخص الولايات المتحدة، فرضت الأخيرة بدورها سلسلة من العقوبات على حكومة كاسترو، بدءا من حظر المنتجات المحلية وحرمان كوبا منها وصولا إلى وضع قيود أيضا على السفر، حسب موقع مجلس العلاقات الخارجية إحدى المراكز البحثية الأميركية الخاصة.
المضايقات الاقتصادية الاجتماعية تطورت سريعا لحراك عسكري برعاية مخابراتية أميركية، قام به جيش صغير من معارضي كاسترو المنفيين في الولايات المتحدة، والذين دُربوا في معسكرات خاصة في غواتيمالا على القتال، أمل هؤلاء والولايات المتحدة كان إزاحة كاسترو بالقوة، إذ توقعوا أن الشعب الكوبي وبعض الفصائل من الجيش قد تناصرهم، حسب موقع متحف ومكتبة الرئيس جون كينيدي.
غير أن ما حدث للمهاجمين وعددهم ١٤٠٠ شخص كان هزيمة نكراء، بالتحديد يوم ١٧ إبريل من العام ١٩٦١ في منطقة خليج الخنازير على السواحل الكولومبية، حيث بدأوا عملية الهجوم.
بنهاية المعركة، قتل كاسترو ١٠٠ من المعارضين الكوبيين فيما استسلم ١٢٠٠ وهرب آخرون، لاحقا تفاوضت الولايات المتحدة على حرية السجناء، وعقدت صفقة ضمنت تسليمهم مقابل أدوية وأغذية أطفال بقيمة ٥٣ مليون دولار حصلت عليها كوبا.
تلك لم تكن كلمة النهاية في الصراع الأميركي الكوبي، أو بالأحرى الصراع الأميركي السوفيتي في المنطقة الكاريبية، فيحدد موقع وزارة الخارجية الأمريكية أن بضعة أشهر فقط كانت قد مرت على معركة خليج الخنازير، عندما عقد رئيس الوزراء السوفيتي آنذاك، نيكيتا خروتشوف اتفاقا سريا مع كاسترو، تضمن وضع مجموعة من الصواريخ النووية السوفيتية في كوبا، كوسيلة ردع لأي محاولات غزو في المستقبل.
إلا أن الحرب الباردة كانت بالفعل في أوجها آنذاك، وما تزال ذكرى الهجوم المأساوي على هيروشيما وناکازاکي عالق في الأذهان، ما جعل ظهور الصواريخ النووية في العلاقة ما بين قوتي العالم العظمتين، أزمة عالمية ونذير بكارثة محققة.
في الـ ١٤ من أكتوبر اكتشفت السر طائرات أميركية من طراز U–2، والتقطت صورا لمجموعة صواريخ نووية باليستية متوسطة المدى قيد التجهيز في كوبا، قدمت تلك اللقطات على نحو عاجل للبيت الأبيض الذي عمل آنذاك تحت إدارة الرئيس كيندي، الذي كانت قد أخفقت لتوها في إدارة هجوم خليج الخنازير.
بعض المستشارين رجح حلولا مباشرة، ضربة جوية لمواقع الصواريخ وغزو فوري لكوبا، ربما كان لينتج عنه حرب عالمية جديدة قبل نهاية القرن، إلا أن كينيدي فضل ممارسة الضغوط على كلا من كوبا والاتحاد السوفيتي مع توجيه التحذيرات شديدة اللهجة.
في الـ٢٢ من أكتوبر فرض كيندي حجرا بحريا على كوبا، ثم بدأ سلسلة طويلة من المراسلات مع خروتشوف، استمرت حتى نهاية الأزمة.
طالب كيندي الاتحاد السوفيتي بتفكيك قواعد الصواريخ وإعادة الأسلحة الهجومية إلى مواطنها، مؤكدا أن الولايات المتحدة لن تسمح بتسليم الاتحاد السوفيتي أسلحة هجومية لكوبا، خلال ساعات كان الوضع يزداد حدة، الرئيس يخاطب شعبه بتطورات الأزمة على شاشة التليفزيون، الخُطط العسكرية توضع لتنظيم هجوم على كوبا ما إذا تطلب الأمر، أما العقيدة الأميركية خلال الأزمة فكانت واضحة، أي صاروخ نووي كوبي على دولة في النصف الغربي من العالم، هو اعتداء من الاتحاد السوفيتي ذاته.
بعد يومين، أصدر خروتشوف بدوره بيانا اعتبر ما أسماه "حصار كوبا" الذي فرضته الولايات المتحدة عملا من أعمال العدوان، مؤكدا أن سفن بلاده المتوجه إلى كوبا لن تتوقف، وعلى مدار أيام ظلت الأجواء ملتهبة على الحدود البحرية لكوبا ما بين السفن السوفيتية والأميركية، فيما ظلت الرسائل بين الطرفين متبادلة بشكل رسمي وغير رسمي، حتى أن بعض عروض التفاوض السوفيتية وصلت الولايات المتحدة عن طريق مراسلين صحفيين.
في ٢٨ من أكتوبر انتهت الأزمة أخيرا بإعلان الاتحاد السوفيتي تفكيك الصواريخ وإزالتها، بعد عقد اتفاق تضمن رفع الصواريخ النووية عن كوبا مقابل وعد أميركي بعدم غزو الجزيرة المحورية، من جهة أخرى، وعدت الولايات المتحدة برفع صواريخ جوبيتر خاصتها من الأراضي التركية في استجابة لمطالب سوفيتية.
بالرغم من انهيار الاتحاد السوفيتي وتغير ملامح العالم منذ عقود عديدة، ظلت علاقة كوبا والولايات المتحدة مضطربة، يحكمها التوتر وسلسلة من العقوبات المفروضة من القوى العظمى على الجزيرة سوفيتية الهوى، إلى أن حاول الرئيس باراك أوباما تحسين علاقة البلدين بعد بدء فترته الرئاسية الأولى.
تزامن ذلك مع بدء عهد راؤول كاسترو، شقيق فيدل الأكثر انفتاحا على إجراء إصلاحات داخلية عميقة الأثر، بحسب موقع مجلس العلاقات الخارجية.
رفعت الولايات المتحدة قبضتها عن كوبا وأتاحت فرصة أكبر للسفر وإرسال الأموال وغيرها من التفاصيل الحياتية، وفي العام ٢٠١٤ طبعت البلدين العلاقات الدبلوماسية الرسمية بعد انقطاع لعقود.
تلك الجهود ارتدت مجددا في عهد الرئيس ترامب، الذي خفض التمثيل الدبلوماسي الأميركي في كوبا، وأوقف التعامل التجاري مع أي مؤسسات تابعة لهيئات حكومية كوبية كالجيش والمخابرات، كما وضع قيود حول سفر الأميركيين لكوبا.
من سطح الأراضي التايوانية، يمكنك إلقاء نظرة على أراضي "بر الصين" تصبح أكثر وضوحا بالطبع ما إذا استخدمت النظارة المعظمة، لكن ذلك لا يعني بأي حال من وجهة نظر مواطني الجزيرة الصغيرة أن بلادهم تابعة لحكومة بكين.
تصر الصين رغم ذلك أن تايوان مقاطعة من الصين، يحق لها استعادتها ولا تخشى من القتال في ذلك السبيل فتثير بذلك حفيظة الولايات المتحدة حليفة تايوان الأولى، ما يجعل المنطقة نقطة ساخنة أخرى، قد يؤدي التهور فيها نتائج غير محمودة، إلا أنها تقع في الجهة الشرقية من العالم.
تعاقب الحكام على تايوان منذ مئات السنين، ما بين الاستعمار الهولندي، وحكم أسرة تشينغ ثم اليابان.
لكن الخلاف العميق قد بدأ بعد الحرب العالمية الثانية وفقا هيئة الإذاعة البريطانية، فبعد هزيمة اليابان استعادت الصين السيطرة على تايوان بماركة حليفتها آنذاك، الولايات المتحدة، لكن المد الشيوعي سرعان ما ابتلع الصين، فأبعد من المسافات بينها وبين الحلفاء، ماو تسي تونغ أسس جمهورية الصين الشعبية في بر الصين، بينما انتقل فلول الحرب الأهلية إلى تايوان حيث أسسوا جمهورية الصين.
بالرغم من تصالح حكومة بر الصين مع الانفصال بين الكيانين لعقود تحت شعار دولة واحدة ونظامان، تبدلت المواقف في الألفية الجديدة، إذ باتت الصين تسعى للتأكيد على تعريف تايوان كمقاطعة صينية منفصلة، يحق لها استعادتها بالقوة ما إذا استدعى الأمر.
الولايات المتحدة، حاضرة بشكل أو بآخر في تلك المعضلة، إذ ترتبط بعلاقات وثيقة بتايوان وتعتبر أبرز حلفاء الجزيرة على الساحة الدولية، بالرغم من انتهاء العلاقة الدبلوماسية بين البلدين رسميًا منذ عقود حينما دشنت أميركا علاقاتها الدبلوماسية بالصين الشعبية في العام ١٩٧٩.
تسعى الولايات المتحدة لحماية حليفتها جارة الصين، إذ ترى أن الهجوم المباشر على تايوان أمر مثير للقلق، خاصة في ضوء اختراق الطائرات الصينية لأجواء تايوان غير مرة، الولايات المتحدة أيضا تلوح بالتواجد في المنطقة عن طريق إرسال بوارجها إلى مضيق تايوان حسب هيئة الإذاعة البريطانية.
خلال العام الماضي، أرسلت الولايات المتحدة مسؤولين رسميين أيضا إلي تايوان إذ بدت العلاقة في نمو مستمر، من بين هؤلاء الزوار رئيسة مجلس النواب سابقا نانسي بيلوسي، الأمر الذي أثار حفيظة الصين واعتبرت الأمر قد يلحق أضرار كبيرة بالعلاقات الأميركية الصينية.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة